بعد انسحاب قوات الاحتلال الأجنبية من أفغانستان، كان وجود ونشاط تنظيم داعش الإرهابي من أهم القضايا المتعلقة بمستقبل التطورات في هذا البلد.
قام فرع تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان، المعروف باسم داعش خراسان، في السنوات الأخيرة بتجنيد وتنفيذ أنشطة دعائية وعسكرية لتجنيد العناصر التكفيرية في أفغانستان، بحيث يعتبر الآن تحديًا أمنيًا كبيرًا، ليس فقط للحكومة الأفغانية السابقة ولكن حتى للإمارة الإسلامية التي تقودها طالبان.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو، أين أماكن التجمع الرئيسية وأنشطة هذا التنظيم الإرهابي في أفغانستان؟ ما هي العوامل التي أثرت على وجود ونمو ونشاط فرع خراسان التابع لداعش؟ وما مدی قوة داعش خراسان؟ وكيف واجهت طالبان خلال فترة الصراع وطالبان الحاکمة اليوم تنظيم داعش؟
بداية داعش – فرع خراسان
في عام 2015، في ذروة التوسع الإقليمي لداعش في العراق وسوريا، أعلن التنظيم الإرهابي قبوله بيعة فرع جديد في أجزاء من أفغانستان وباكستان، والذي يسميها “ولاية خراسان”.
في الوقت نفسه، عيَّن أبو بكر البغدادي، الخليفة المعلن لداعش، “حافظ خان سعيد” كأول أمير لداعش فرع خراسان. كان خان سعيد معروفاً سابقاً بأنه قائد طالبان باکستان.
عملت هذه المجموعة في المناطق القبلية الخاضعة للسيطرة الباكستانية. ومن خلال إنشاء شبكات داعش المنشأة حديثًا؛ کلَّف قادة الجماعة الأوائل العديد من قادة حركة طالبان باكستان بتجنيد العناصر والقوات من المناطق القبلية في باكستان.
سرعان ما امتلأت صفوف المجموعة بأشخاص خاب أملهم من طالبان. كما تمكنوا من جذب السكان المحليين والأجانب التكفيريين من الدول المجاورة في المنطقة، أي الباكستانيين والهنود ومقاتلو الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى.
على الرغم من صعوبة تقدير عدد مقاتلي داعش في أفغانستان، ولکن يقدر المحللون أنه في عام 2016، أي بعد عام من إنشائه، كان فرع خراسان في ذروته، حيث کان يتراوح عدد عناصره بين 3000 و4000 مقاتل. ويرتبط الوجود الأساسي لتنظيم داعش في خراسان بالمقاطعات الشرقية لأفغانستان، قرب الحدود الباكستانية في ولايتي كونار وننكرهار.
وبالنظر إلى الاغتيالات والتفجيرات والسيارات المفخخة والتفجيرات الانتحارية، يمكن القول إن داعش في أفغانستان لديه إمكانات كبيرة لتشكيل تهديد أمني لأفغانستان والدول المجاورة، وخاصةً آسيا الوسطى.
ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران، فقد نفذ داعش، بمجموعة من 1500 إلى 2200 مقاتل في شرق أفغانستان، 115 هجومًا بين نيسان/أبريل 2020 وآذار/مارس 2021.
في حزيران/يونيو 2020، عينت الدولة الإسلامية في أفغانستان “شهاب المهاجر” أميرًا جديدًا بعد اعتقال “إسلام فاروقي”. خطط المهاجر سابقًا لهجمات في المناطق الحضرية في كابول، ويقال إنه كان ذات يوم قائدًا متوسط المستوى في شبكة حقاني.
وعلى الرغم من أن داعش خراسان قد خسر الحرب في وقت واحد مع طالبان والحكومة المركزية، ولم يتمكن من الحفاظ على قاعدته في ننكرهار وكونار لفترة طويلة، ولکن تمكنت الجماعة من تعزيز موطئ قدمها في المناطق الحضرية. وهذا ينطبق بشكل خاص في مدن مثل كابول وقندهار، حيث أثبت التكفيريون أنهم يستطيعون تنفيذ هجمات دون الحاجة إلى السيطرة على المنطقة.
وخلال عام 2020، نفذ داعش بنجاح هجمات واسعة النطاق على الرغم من سيطرته على منطقة صغيرة، بما في ذلك هجوم إرهابي في أيار/مايو 2020 على مستشفى للولادة في كابول أسفر عن مقتل 24 شخصًا، وهجوم على جامعة كابول في نوفمبر 2020 أسفر عن مقتل 22 شخصًا.
بحلول أوائل عام 2020، انخفض عدد أعضاء تنظيم داعش أفغانستان من 1500 إلى 2200 شخص، لكن تحركات المجموعة بقيادة شهاب المهاجر، مثل الهجوم على سجن جلال آباد على بعد 100 كيلومتر غربي كابول في آب/أغسطس 2020، وهروب مئات الإرهابيين من السجن، قد أعادت إحياء المجموعة.
من أين تأتي الموارد المالية لداعش خراسان؟
الموارد المالية أحد الأسباب الرئيسية لانتشار داعش في أفغانستان وغيرها من المناطق الحساسة من وجود هذه المجموعة الإرهابية.
تُظهر تقييمات الحكومة الأميركية لجمع التبرعات لفرع خراسان التابع لتنظيم داعش، أن دخل التنظيم يأتي من استخراج الموارد الطبيعية، بما في ذلك الطلق، في المناطق القبلية على الحدود الباكستانية الأفغانية.
إضافة إلى ذلك، يستفيد داعش خراسان من عائدات التهريب، وجذب المساعدات المحلية، والضرائب، والابتزاز، وبعض الدعم المالي الخارجي، وخاصةً التمويل من تنظيم داعش الرئيسي.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في سبتمبر 2020 في مقال، أن عناصر تنظيم داعش يكسبون الأموال من أسواق التبغ غير المشروعة في أفغانستان وباكستان.
كيف دخل داعش إلى أفغانستان؟
قام البغدادي قبل مقتله بتوسيع تنظيم داعش، ومنح أتباعه فرصةً كبيرةً للعمل. وشجع داعش أتباعه على العمل بمفردهم أو في مجموعات محلية صغيرة.
وفي هذا الصدد، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، قال حسن أبو هانية، الخبير الأردني في شؤون الجماعات المتطرفة، إن داعش “أنشأ بنيةً جديدةً أقل مركزيةً، وسيستمر حتى من دون البغدادي”.
تم إنشاء النواة الأساسية لداعش خراسان من قبل العناصر المنشقة عن حركة طالبان الباكستانية التي تعتمد بشكل أقل أيديولوجيًا على القضايا العرقية والقبلية، وتركز على الجهاد العالمي وإنشاء الخلافة العالمية. ولهذا السبب، كانت العناصر المتطرفة للغاية في هذه المجموعة عرضةً للانخراط في أيديولوجية داعش العنيفة والمتطرفة.
ومع ذلك، فإن جزءًا مهمًا من وجود داعش في أفغانستان يتعلق بالخطط الأميركية للمنطقة، وخاصةً آسيا الوسطى، حيث يمكن أن يؤدي خلق تحديات أمنية في هذه المنطقة من خلال انتشار انعدام الأمن في أفغانستان، إلى تهديد مصالح الخصوم الرئيسيين مثل روسيا والصين وإيران.
للولايات المتحدة تاريخ طويل في التخطيط لمثل هذه السياسة وتنفيذها، لأن طالبان نفسها كانت نتيجة التنافس أثناء الحرب الباردة، وجهود واشنطن لدفع الإمكانات الجهادية ضد وجود الجيش الأحمر في أفغانستان.
ويعتقد الكثيرون أن الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانستان يقوم على مثل هذا السيناريو، والهدف الرئيسي هو خلق أزمة أمنية كبيرة في المنطقة.
وفي السنوات الأخيرة، ركز داعش أفغانستان على تنفيذ أعمال إرهابية ضد أقلية الهزارة الشيعية من أجل اندلاع حرب طائفية، ونفذ سلسلةً من الهجمات على مدارس الهزارة ومساجدهم في كابول. ويظهر هذا التوجه العملياتي بوادر محاولة إشعال حرب طائفية في المنطقة.
طالبان في مواجهة داعش؛ في الماضي والرؤية المستقبلية
التنافس بين طالبان وداعش في أفغانستان واضح تمامًا. حيث أدان قادة داعش استيلاء طالبان على أفغانستان، قائلين إن نسخة الدولة الإسلامية للحرکة ليست صارمةً بما يكفي للامتثال للمبادئ الدينية.
تتبع طالبان المذهب الحنفي لأهل السنة، وكثير منهم يمارسون الشعائر الصوفية. في المقابل، يتبنى داعش الأيديولوجية السلفية التي تجذرت في بعض أجزاء شرق أفغانستان، مثل ننجرهار، نتيجة الدعاية الجهادية العربية في الثمانينيات والتسعينيات.
يستخدم داعش استراتيجيةً متعددةً الأوجه لتشويه سمعة طالبان. أولاً، يسعى التنظيم إلى تمييز نفسه عن طالبان من خلال شن هجمات عنيفة، ولا سيما ضد أقلية الهزارة الشيعية، وتحدي قدرة الحكام الجدد على إدارة البلاد.
وفي هذا الصدد، قال ريكاردو واله، الباحث المستقل المعني بدراسة الجماعات التكفيرية في البندقية: “كلما زادت التنازلات التي تقدمها حكومة طالبان المشكلة حديثًا لقبول قطاعات من المجتمع الأفغاني، زادت فرص داعش لدعاية جديدة ضدهم”.
وأضاف: “أعضاء طالبان الذين يشككون في قرارات طالبان التصالحية (محليًا ودوليًا) قد ينضمون إلى داعش، الذي يدعي اليوم أنهم الورثة الحقيقيون لأسامة بن لادن والملا عمر (المؤسس الراحل لحركة طالبان)”.
كما سعی داعش أيضًا إلى تشويه صورة طالبان الدينية باعتبارها “حليفًا لواشنطن”، كجزء من محاولته لتجنيد أعضاء من حركة طالبان الساخطين. ويعتقد خبراء الأمن أن داعش ينوي تشويه سمعة طالبان بأي طريقة ممكنة.
وأفادت نشرة “النبأ” في آذار/مارس 2020، بأن جهاز الدعاية التابع لداعش يطلق على مقاتلي طالبان اسم حلفاء “الصليبيين”(الولايات المتحدة). كما يرفض داعش الاعتراف بطالبان کزعامة إسلامية شرعية، واصفاً طالبان بـ “القوميين القذرين”، لأنهم دافعوا عن قاعدة عرقية وقومية محدودة بدلاً من القيام بجهاد إسلامي عالمي.
وبعد انسحاب القوات الأميركية أيضًا، سخر داعش من انتصار طالبان في أسبوعيته الرسمية “النبأ”، زاعمًا أن طالبان لم تشارك في “جهاد” حقيقي، وأن نجاح الحرکة كان بسبب “مؤامرة عالمية”.
تقول طالبان إنها تريد علاقات ودية مع جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقد عينت مؤخراً سفيراً لدى الأمم المتحدة. ولکن داعش لا يعترف بفكرة الدولة القومية الحديثة ويسعى إلى خلافة عالمية. ولداعش تاريخ طويل من الدعاية التي يتهم فيها طالبان بأنها “أداة” لباكستان والولايات المتحدة.
وبناءً على ذلك، قمعت طالبان منذ فترة طويلة عناصر داعش وأنصاره في المقاطعات الشرقية لأفغانستان. وقال الملا ندا محمد، حاكم طالبان في إقليم ننجرهار، لوسائل الإعلام مؤخرًا، إنه تم اعتقال أكثر من 80 شخصًا في ولاية ننكرهار بتهمة الارتباط بداعش.
كما اغتالت طالبان فاروق بنكلزي، زعيم داعش في محافظة بلوشستان الباكستانية، أثناء تواجده في ولاية نمروز الأفغانية. كما ورد أن طالبان قتلت أبو عمر الخراساني، القائد السابق لداعش. وأغلقت طالبان أيضًا معظم المساجد والمدارس الدينية الموالية لتنظيم داعش في جميع أنحاء البلاد.
على الرغم من أن جهود طالبان لقمع داعش قد قللت من وجود هذا التنظيم، إلا أن طالبان ليس لديها خبرة في عمليات مكافحة الإرهاب لقمع شبكات الخلايا الصغيرة لداعش في جميع أنحاء البلاد؛ وعدم الاستقرار الحالي سيخلق الفراغ المطلوب لعمليات داعش.
وقد لا تتمكن طالبان أيضًا من قطع الشرايين المالية لأنصار داعش على المدى القصير. كما أن قدرات طالبان ورغبتها في الحكم غير معروفة، لذلك هناك ضرورة ملحة لتعاون وتنسيق اقليمي بين الحكومة المحلية في افغانستان والدول المجاورة وفي مقدمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية لمواجهة خطر داعش، خاصة ان ايران لديها باع طويل في محاربة هذا التنظيم الارهابي في العراق وسوريا وقد حققت نجاحات كبيرة بالتعاون مع الاصدقاء في محور المقاومة.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال