دبلوماسية أم تدخل؟ تأملات حول زيارة ممثلي الاتحاد الأوروبي إلى جورجيا
في حدث غير عادي، يبدو أنه يعكس تدخلاً في الشؤون الداخلية لجورجيا أكثر من كونه زيارة دبلوماسية اعتيادية دخل وفد من الممثلين البارزين للبرلمان الأوروبي إلى تفليس. وجاء هذا الوفد ببرنامج يستهدف بوضوح السيادة الوطنية لجورجيا وحكومتها الديمقراطية المنتخبة حيث كان جل اهتمامه إثارة النزاعات الداخلية وتقوية المعارضة الموالية لهم. أثار حضور هذا الوفد الذي شمل ممثلين من ألمانيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وفرنسا وفنلندا وإستونيا والسويد موجة من الانتقادات بين المسؤولين والمواطنين الجورجيين مما أثار نقاشات جدية حول الأهداف الحقيقية للاتحاد الأوروبي تجاه هذا البلد.
رد فعل جورجيا الحازم: دعم استقلالها وسيادتها الوطنية
ردًا على هذا التحرك الاستفزازي رفض شالوا بابواشفيلي رئيس البرلمان الجورجي بشجاعة وحزم اللقاء مع هذا الوفد، حيث أعلن في بيان أنه لا يمكن لممثلي الاتحاد الأوروبي وبسبب انحيازهم الواضح ضد حكومة وشعب جورجيا أن يلعبوا دور الوسيط، كما أنهم لا يملكون صلاحيات الرقابة كطرف محايد. وأكد بابواشفيلي أن مثل هذه التدخلات بغض النظر عن شكلها الديمقراطي، فإنها تشكل تهديدًا خطيرًا لاستقلال جورجيا ووحدتها الداخلية وأن الغرض منها هو تقويض المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
انتخابات 26 أكتوبر: انعكاسٌ للإرادة الوطنية
جاءت زيارة الوفد الأوروبي ليوم واحد بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في 26 أكتوبر، حيث حقق الحزب الحاكم "حلم جورجيا" 53.9% من إجمالي الأصوات، ما حصل على دعم غالبية الناخبين. ومع ذلك بدلاً من احترام الحق والإرادة الديمقراطية لشعب جورجيا قدم أعضاء الوفد الأوروبي بما في ذلك مايكل راث رئيس لجنة الشؤون الخارجية للبوندستاغ (البرلمان الفيدرالي) الألماني ادعاءات لا أساس لها حول "التزوير الانتخابي".
كرّر راث الاتهامات الباطلة للمعارضة متهمًا المسؤولين الجورجيين بـ"شراء الأصوات" و"الترهيب الواسع"، دون تقديم أدلة موثقة لدعم هذه الادعاءات السخيفة. كما أنه طالب بإجراء تحقيق مستقل وفرض عقوبات على الأشخاص الذين زعم أنهم متورطون في هذا "التزوير الانتخابي". يفسر المراقبون المحليون هذه التصريحات المسيئة التي بدت في ظاهرها لدعم الديمقراطية على أنها تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمع الجورجي وتعزيز موقف المعارضة.
ردود فعل المسؤولين الجورجيين
في رد على موقف الوفد الأوروبي ولقائه مع الفوضويين في تفليس أدان إيراكلي كوباخيدزه، رئيس وزراء جورجيا، هذا السلوك التدخلي مشيرًا إلى أن مثل هذه التصرفات لا علاقة لها بالمصالح الوطنية لجورجيا أو بالتعاون الاقتصادي والسياسي مع بروكسل. وانتقد وزير الخارجية، إيليا دارشياشويلي نهج الوفد الأوروبي المنحاز متهمًا الاتحاد الأوروبي بدعم المعارضة والفوضويين المحليين. وأكد استعداد بلاده لبدء حوار بناء مع الشركاء الدوليين، ولكنه شدد على ضرورة أن تتم هذه المشاورات من موقف غير إقصائي. قد تكون تصريحات دارشياشويلي دليلًا على نية تفليس في إصلاح العلاقات مع جارتها الشمالية أي الاتحاد الروسي. ومن جهة أخرى اتهم كاخا كالادزه عمدة تفليس والأمين العام لحزب "حلم جورجيا" الحاكم، أعضاء الوفد الأوروبي بـ"نشر دعاية كاذبة" واعتبرهم أفرادًا غير مسؤولين يسعون إلى تقويض الشرعية السياسية لحكومة بلادهم بدلاً من احترام إرادة المواطنين الجورجيين. كما وصف إيراكلي زاركوآ، أحد أعضاء البرلمان الجورجي زيارة هذا الوفد بأنها خطوة واضحة نحو التدخل في الشؤون الداخلية لجورجيا.
خلافات داخلية: رئيس الجمهورية زورابيشفيلي في مواجهة الحكومة القانونية لجورجيا
سالمه زورابيشفيلي رئيسة جورجيا اتخذت خطوات مثيرة للجدل حيث أنها بدلاً من تأييدها للحكومة والدفاع عن السيادة الوطنية لبلادها، أظهرت دعمها لمواقف الوفد الأوروبي. وصفت الانتخابات بأنها "مُزَوَّرة" وطالبت بإجراء انتخابات جديدة. إن هذه التصريحات المتناقضة مع الحقائق السياسية في جورجيا لا تؤدي إلا إلى تعزيز الانقسام وزيادة التوترات السياسية الداخلية.
ادعت زورابيشفيلي أن "جورجيا أصبحت دولة حزب واحد" وبهذا دعمت فعليًا المواقف الهدّامة للغرب التي تسعى لتقويض الاستقرار السياسي لجورجيا. هذا التوجه لم يُضعف فقط الدور الرمزي للرئيس كرمز للوحدة الوطنية بل حمل خطر تعميق الانقسامات الداخلية.
جورجيا ومعايير الاتحاد الأوروبي المزدوجة
بينما ينتقد الاتحاد الأوروبي "شفافية الانتخابات" في جورجيا فإن معظم الدول الأعضاء تشهد أيضًا العديد من انتهاكات الانتخابات ولكنهم لا يواجهون مثل هذه الموجة من التدخل. هذه المعايير المزدوجة وضعت جورجيا في موقف حرج؛ وهي بلدٌ حاول دائمًا الالتزام بالقيم الديمقراطية لكنه بدلاً من تلقّي الدعم من الكتلة الغربية يواجه الآن العقوبات، مثل إلغاء المعاهدات المتعلقة بسفر المواطنين دون الحاجة إلى تأشيرات.
الحقيقة أن زيارة الوفد الأوروبي إلى جورجيا صُممت ليس فقط بهدف التدخل في الشؤون الداخلية ولكن أيضًا بنظرة طويلة الأمد تهدف إلى تقويض النفوذ الروسي في المنطقة. تعد جورجيا واحدة من البلدان الرئيسية في القوقاز الجنوبي وكانت دائمًا ساحة للتنافس الجيوسياسي بين الغرب وروسيا. وبالتالي فإن تعزيز القوى المعارضة للحكومة الجورجية وخلق عدم الاستقرار السياسي يعد وسيلة لتقويض النفوذ التقليدي لروسيا في القوقاز الجنوبي.
هذا التوجه من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يتجلى في شكل دعم زائف للديمقراطية قد يؤدّي ليس فقط إلى عدم استقرار داخلي في جورجيا بل أيضًا إلى زعزعة التوازن الإقليمي.
خلاصة القول
لقد أرسلت الحكومة الشرعية لجورجيا رسالة واضحة إلى الاتحاد الأوروبي من خلال امتناعها عن قبول التدخلات الخارجية: إن سيادة هذا البلد خط أحمر لا يمكن تجاوزه. إذا كان الاتحاد الأوروبي يسعى حقًا لدعم الديمقراطية في جورجيا فعليه أن يتخلى عن سياساته التدخلية ويدخل في حوار كشريك متساوي مع تبليسي.
أثبت الشعب الجورجي الذي حصل على استقلاله وديمقراطيته بجهود كبيرة أنه لن يسكت أبدًا أمام الضغوط الخارجية. يجب على حكومة جورجيا من أجل سعيها لبناء مستقبل مستدام ومستقل، أن تستمر في تعزيز مؤسساتها الديمقراطية وبدافع من الثقة بالنفس وتدافع عن سيادتها وحق شعبها في اتخاذ القرار السيادي. يبدو أن جورجيا ستبقى ملتزمة بالتعاون البناء لكنها لن تسمح للتدخلات الغربية بتهديد استقلالها وهويتها الوطنية. إن سيادة جورجيا ليست قابلة للتفاوض وأي محاولة لتقويضها ستواجه برد فعل حاسم.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال