دراسة حول الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب 503

دراسة حول الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب

دخلت حرب غزة التي بدأت في أكتوبر2023 شهرها الرابع والعشرين ولا تزال تُخلّف آثارًا بعيدة المدى على الاقتصاد والمجتمع والبنية السياسية والإدارية للنظام الإسرائيلي. تُظهر البيانات المنشورة أنه على الرغم من التراجع النسبي في حدة القتال إلا أن الآثار الاقتصادية للحرب لا تزال قائمة وتشمل جوانب عديدة من الميزانية والتجارة وسوق العمل ونفسية المجتمع الصهيوني. تتناول هذه المقالة دراسة حالة الاقتصاد في ظل الحرب للكيان الاسرائيلي مستشهدةً بتقارير رسمية نشرتها مصادر إسرائيلية.


أثار مشروع قانون ميزانية 2026 خلافًا بين وزارتي الدفاع والمالية الإسرائيليتين، فبينما تتحدث وزارة المالية عن ميزانية عسكرية تتراوح بين 80 و90 مليار شيكل (حوالي 23 مليار دولار) تُطالب وزارة الدفاع بميزانية قدرها 144 مليار شيكل ( يعني أكثر من 37 مليار دولار).[1]


تشير هذه الاختلافات إلى أنه حتى بعد وقف إطلاق النار يستمر الإنفاق الأمني ​​والعسكري في الارتفاع بسبب استمرار انعدام الأمن والحاجة إلى إعادة بناء البنية التحتية الدفاعية. وأعلنت وكالة التصنيف الائتماني الدولية ستاندرد آند بورز (S&P) في 7 نوفمبر أن التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي الذي تم تخفيضه في تقريرين سابقين ظل عند A+، ويرجع ذلك أساسًا إلى وقف إطلاق النار في حرب غزة. وتوقعت الوكالة أن يتعافى الاقتصاد الإسرائيلي وينمو بنسبة 5% بعد انتهاء الحرب لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن الوضع السياسي والعسكري المتوتر سيجعل الاقتصاد هشًا وضعيفاً. [2]


وكان قد أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أنه من المتوقع أن تصل تكلفة الحرب في غزة إلى 250 مليار شيكل (65 مليار دولار)، مما يجعلها أغلى حرب في تاريخ النظام الإسرائيلي. لقد تم إنفاق حوالي 180 مليار شيكل (حوالي 47 مليار دولار) على الإنفاق العسكري، بما في ذلك شراء الذخيرة وتعبئة قوات الاحتياط والعمليات العسكرية. إن تهجير 200 ألف مستوطن في شمال وجنوب الأراضي المحتلة له تكلفة باهظة أيضاً وهي مستمرة رغم وقف إطلاق النار، مما يساهم في ارتفاع الأسعار والبطالة وانخفاض الأجور.[3]


إن نهاية الحرب تعني دخول عشرات الآلاف من جنود الاحتياط إلى سوق العمل في آن واحد. ومن المتوقع أن يرتفع معدل البطالة من حوالي 2.9% إلى أكثر من 3.5%. ومن المرجح أن يزداد هذا الرقم أكثر إذا عاد جنود الاحتياط فجأة.

أظهرت الدراسات أنه في العام المقبل على الأكثر لن يتمكن سوى 10 إلى 25% من جنود الاحتياط من العودة إلى وظائفهم السابقة فورًا؛ وهذا سيخلق توترًا خطيرًا في سوق العمل ويضع الشركات والباحثين عن عمل في مشاكل عديدة.[4]


وفقًا للمحاسب العام لوزارة المالية الإسرائيلية وصل عجز ميزانية الحكومة الإسرائيلية إلى 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي (120.5 مليار شيكل) في أكتوبر 2025 (الشهر الرابع والعشرون من الحرب) متجاوزًا التوقعات. كان الهدف الأولي للعجز لهذا العام هو 4.2%، لكنه ارتفع إلى 4.7% مع الموافقة على الميزانية وإلى 4.9% حتى الآن. والسبب الرئيسي لهذه الزيادة هو حرب الـ 12 يومًا مع إيران وتمويل تعبئة قوات الاحتياط.


مؤخرًا رفعت الحكومة العجز إلى 5.2% بتعديل الميزانية ووافقت على خفض ميزانية الوزارات بأكثر من 3%. وفي هذا الصدد أعلن وزير المالية سموتريتش عن عجز في الميزانية لعام 2026 بنسبة 3.2%. ويُعد هذا هدفًا طموحًا نظرًا لطلب وزارة الدفاع المزيد من التمويل وبسبب التخفيضات الضريبية الناتجة عن آثار الحرب، من المتوقع أن يصل عجز الميزانية إلى 5%.[5]


لقد ارتفعت صادرات الخدمات التجارية الإسرائيلية في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 بنسبة 9٪ على أساس سنوي لتصل إلى 75 مليار دولار. في 6 أكتوبر 2023، أي قبل يوم من بدء عملية طوفان الأقصى كان سعر صرف الشيكل (العملة الإسرائيلية) 3.86 مقابل الدولار ولكن بعد عامين من الحرب أصبح سعر صرف الشيكل الآن 3.26 مقابل الدولار. هذا يعني أن قيمة الشيكل قد ارتفعت بنسبة 9.7٪ بالقيمة الحقيقية منذ بداية الحرب ولكن لماذا حدث هذا؟


يعود الفضل في ذلك بشكل رئيسي إلى شركات التكنولوجيا الفائقة التي حققت أداءً جيدًا حتى خلال الحرب. ارتفعت الصادرات وخاصة الصادرات العسكرية بشكل حاد خلال هذه الفترة. سبب آخر هو المساعدات العسكرية الأمريكية خلال الحرب. قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل 20.1 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ عام 2023.[6]


أحد الجوانب الأقل وضوحًا لحرب غزة هو استنفاد السلع الأساسية في مستودعات الطوارئ الإسرائيلية. على عكس الدول التي شرعت في برامج لزيادة الإنتاج المحلي وحددت الحكومات الإسرائيلية الأخيرة هدفًا لزيادة واردات الغذاء، مما جعل الكيان الإسرائيلي أكثر اعتمادًا على واردات الحبوب من معظم الدول. على سبيل المثال؛ ثلاثة من أكبر ست شركات أغذية في إسرائيل مملوكة لأجانب.


تسبب توقف الواردات من تركيا في نقص بعض السلع الأساسية في الأراضي المحتلة. بالإضافة إلى ذلك فإن كمية القمح المخزنة غير كافية وبعضها مصاب بالآفات.


يتم نقل 99% من الواردات إلى إسرائيل عن طريق البحر وقد شكلت عمليات أنصار الله في اليمن مشاكل كبيرة لهذا النظام المعتمد على البحر بشكل أساسي، بالإضافة إلى انخفاض عدد البحارة الإسرائيليين بنسبة 77% بين عامي 2013 و2023، وإذا انتشرت الحرب أو أُغلقت الموانئ فستواجه إسرائيل أزمة خطيرة في الأمن الغذائي.[7]


مع وقف إطلاق النار في غزة رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي لإسرائيل في عام 2025 من 580 مليار دولار إلى 611 مليار دولار. ويمثل هذا زيادة بنسبة 12.7% عن 542 مليار دولار في عام 2024. يضع هذا الرقم إسرائيل في المرتبة 27 من بين 191 دولة شملها الاستطلاع. وبحلول نهاية العام، من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل إلى حوالي 662 مليار دولار، مما يضعها في مرتبة متقدمة على سنغافورة والإمارات العربية المتحدة والنمسا والنرويج. [8]


كما تضرر قطاع السياحة بدرجة كبيرة وهو يعتبر أحد أهم ركائز الاقتصاد الإسرائيلي؛ فقد بلغ معدل إشغال الفنادق 54% فقط في سبتمبر. وانخفض عدد ليالي المبيت للسياح الأجانب في نفس الشهر بنسبة 68% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023. وحتى مع وقف إطلاق النار، لن تعود السياحة إلى مستويات ما قبل الحرب على الأقل في الوقت القريب بسبب التوقعات العالمية السلبية.[9]


لقد مرّ أحد عشر شهرًا على سريان وقف إطلاق النار مع حزب الله، لكن النظام الإسرائيلي لم يضع بعد خطة ملموسة لإعادة إعمار المناطق الشمالية المتضررة. الخطط المقترحة في مراحلها التكوينية ومن المتوقع أن تستمر إعادة إعمار هذه المناطق حتى نهاية عام 2029.[10]


ولمنع زيادة ميزانية العام المقبل وكذلك زيادة ميزانية وزارة الدفاع قررت وزارة المالية في حكومة نتنياهو خفض 3.35% من ميزانية عدة وزارات ومهمتها الرئيسية تقديم الخدمات العامة كالصحة والتعليم. بالإضافة إلى ذلك سيقلل هذا من المزايا المالية للجنود المشاركين في الحرب، بينما لن يقلل من امتيازات اليهود الحريديم، كالإعفاءات الضريبية، ودعم دراسات التوراة ورسوم رياض الأطفال، للأطفال الحريديم الذين لم يكن لهم أي دور أو تأثير في الحرب، وهذا التمييز يزيد من الاستياء من حكومة نتنياهو.[11]


لقد أدت الحرب في غزة إلى تدهور الحالة النفسية للجنود، حيث يلجأ العديد منهم إلى المخدرات كوسيلة دفاعية. وفقًا لإحصاءات جمعية "السام" فإن 18% من المرضى هم جنود. وجمعية "السام" هي واحدة من عدة مؤسسات لا تمولها الحكومة بل من التبرعات العامة، وهذا يشير إلى فشل منهجي في العلاج الحكومي.[12]


وفي الختام، لا بد من القول إن الاقتصاد الإسرائيلي دخل مرحلة من التآكل الهيكلي بعد عامين من الحرب. فعلى الرغم من تحسن ونمو بعض المؤشرات إلا أن الإنفاق العسكري والخسائر الناجمة عن إخلاء المناطق الحدودية، وتباطؤ السياحة والأزمة النفسية في المجتمع وضعف الاحتياطيات الغذائية الاستراتيجية والانقسامات الحادة بين المؤسسات السياسية والاقتصادية كلها تشير إلى مستقبل مليء بالتحديات.

وحتى لو استمر وقف إطلاق النار لكانت إعادة الإعمار الاقتصادي للنظام الإسرائيلي قد واجهت عقبات خطيرة، ولا يزال الضغط المالي الناتج عن الحرب يُثقل كاهل ميزانية الدولة وسوق العمل والبنية الاجتماعية للنظام.




محمد صالح قرباني


[1] https://www.mako.co.il/news-money/2025_q4/Article-59bb600b8a55a91027.htm

[2] https://www.maariv.co.il/economy/israel/article-1249467

[3] https://www.ashdod-haredim.co.il/%D7%91%D7%95%D7%95%D7%A2

[4] https://www.ice.co.il/opinions/news/article/1087760

[5] https://www.ynet.co.il/economy/article/gxo6ujdps

[6] https://finance.walla.co.il/item/3787493

[7] https://www.ynet.co.il/economy/article/sjxjekralx

[8] https://finance.walla.co.il/item/3787414

[9]https://www.themarker.com/news/aviation/2025-10-27/ty-article/.premium/0000019a-2561-dcd3-abdbad7f16780000

[10] https://www.calcalist.co.il/real-estate/article/sjzlt7p0ee

[11] https://finance.walla.co.il/item/3787493

[12] https://healthy.walla.co.il/item/3786651

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال