دور فريضة الحج في زيادة الأمن والسلام في العالم الإسلامي 94

دور فريضة الحج في زيادة الأمن والسلام في العالم الإسلامي

 إن الأمن والسلام هما رسالة الإسلام الحقيقية، وهما المبادئ الأساسية التي يحرص المسلمون على التمسك بها في حياتهم اليومية، والتي تدعو إلى السلم والتعاون والتسامح والتفاهم بين الناس من جميع الثقافات والأديان. فالسلام هو أساس الحياة، والأمن هو ستر الحياة، ولا يمكن تحقيق التقدم والازدهار في المجتمعات إلا بوجود الأمن والسلام.

ولتعريف الأمن والسلام؛ نقول أنهما أساس الثقافة الإسلامية، ولهما قيمة عالية تحرص المجتمعات الإسلامية على الحفاظ عليها وتعزيزها في كل الأوقات، وخاصة في أوقات التلاقي والتواصل بين مختلف الشعوب الإسلامية لأداء مناسك الحج من كل عام و زيارة بيت الله الحرام. ولهذا تولي جميع الدول في العالم كل الأهمية لتسهيل إقامة هذه الفريضة لشعوبها المسلمة، حيث تتم عمليات التنسيق فيما بينهم من أجل وصول الوفود والزوار إلى مكة المكرمة دون أية صعوبات ويقدمون لهم كل التسهيلات لقضاء فترة الحج بكل راحة وأمان.

هنا يبرز دور الحج وأداء هذه الفريضة المقدسة في تعزيز الأمن والسلام في العالم الإسلامي، فصحيح أن مساعي الدول الإسلامية والتعاون والتنسيق فيما بينهم ضروري من أجل حماية الحجاج وتأمين طريقهم والحفاظ على حياتهم وصحتهم طيلة فترة الحج، إلا أن هذه الفريضة المباركة نفسها تحمي المسلمين وتعزز أمنهم واستقرارهم بمجرد أدائها؛ وذلك من خلال توسيع نطاق التواصل بين الشعوب، وتلاقي الثقافات المختلفة والتعرف على عادات الناس من مختلف البلدان من شتى أرجاء العالم. وهذا ما سنؤكد عليه في هذا المقال لنثبت أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بالحرب والعنف، بل يتحقق بالحوار والتفاهم والتعاون، وتحقيق الأمن يتطلب التعاون الدائم بين الدول والشعوب والحج يعطينا هذه الفرصة لتحقيق ذلك.

إن أداء فريضة الحج يساهم بشكل كبير في استتباب الأمن والسلم في المنطقة، وذلك لأن الحج يجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم في مكة المكرمة، ويعد رمزًا للوحدة والتعاون بين المسلمين، ويشكل فرصة للحوار والتفاهم بين الناس من مختلف الجنسيات والثقافات.

لطالما كانت قضية الوحدة الإسلامية محط اهتمام لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ بداية الثورة الإسلامية وتم التأكيد عليها كثيراً، وبعد أربعة عقود لا تزال تعتبر من المُثل العليا للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعوتها للحفاظ على العالم الإسلامي ضد التهديدات مثل: التكفير والتوسع الصهيوني والاختلافات الداخلية لتعزيز الوحدة الإسلامية ، يجب استخدام قدرات مختلفة ، وإحدى هذه القدرات هي مؤتمر الحج العظيم.[1]

بعد إلقاء نظرة تحليلية على الوضع الراهن للعالم الإسلامي يمكن أن نجد عدة مشاكل ومظاهر تضعف الوحدة الإسلامية ومنها:

 1. توجد في معظم الدول الإسلامية صراعات وتوترات سياسية وفي بعض الحالات نزاعات عسكرية مع بعضها البعض.

2. تظهر أيضاً في معظم الدول الإسلامية قضايا حول تحديد الهوية، بحيث تكثر أقوال وجمل مثل "المشرك والكافر والمرتد والزنادقة وهي من الألقاب التي ينسبونها لبعضهم البعض.

3. بعض الدول الإسلامية تخضع لعقوبات من قبل القوى المتغطرسة.

4. في بعض دول العالم الإسلامي تكون المنافسة من أجل الاقتراب أكثر من القوى المعادية للإسلام والدول المتغطرسة التي يمكن أن تستخدم قدراتها ضد دولة إسلامية أخرى.

5. إن معظم الخلافات والتوترات بين المجتمع الإسلامي لها جذور خارجية ناتجة عن الضعف الداخلي وضعف تماسك المسلمين.

وبالنظر إلى تلك القضايا المطروحة، بات من الضروري جداً عقد مؤتمرات واجتماعات حول أهمية الحج ودوره العظيم في تقوية التضامن الإسلامي. وينبغي طرح مواضيع وعناوين هامة يتم مناقشتها لحل تلك المشكلات مثل : "الحج والدبلوماسية العامة"، "القدرات على تعزيز التفاعل بين نخب العالم الإسلامي"، "الحج والقدرات الإعلامية لمواجهة الإسلاموفوبيا"، "الحج وآفاق النظام الإقليمي الإسلامي"، "الحج وحل النزاعات والتوترات الإقليمية"، " دور الحج في وحدة وتضامن الدول الإسلامية"...الخ


الحج و دوره في التواصل الاجتماعي

 بالنظر إلى أن الحياة الاجتماعية هي ضرورة مؤكدة وبدونها لا يمكن إقامة علاقات تواصل بين أفراد المجتمع، ومن ناحية أخرى، تعتبر العلاقات الاجتماعية السليمة عنصراً مهماً في الحفاظ على الرأس المال الإجتماعي وهي أساس للمجتمع السليم، فإن الإسلام حقق هذا الهدف في نظامه الاجتماعي، حتى يتمكن الأشخاص من إقامة علاقات صحية ويكونوا مفيدين لبعضهم البعض فالعبادة الجماعية كالصلاة والحج والحداد وحتى الأفراح تحقق هذا الغرض.

الحج يعزز الترابط بين المسلمين لأن العلاقات الاجتماعية في النظام الديني والاجتماعي للحج مفتوحةٌ على مستويات مختلفة. الحج عبارة عن شبكة اتصال روحية واجتماعية وسياسية خاصة وشاملة داخل المجموعة الواحدة وبين المجموعات الأخرى من باقي الدول وعلى مختلف المستويات. لذلك فإن الحج هو أنسب فرصة لخلق تواصل منطقي ومستمر وتبادل الآراء بين شعوب الدول حتى يتعرفوا على مشاكل ونواقص وثغرات بعضهم ويشاركون في وضع حل للمشاكل الموجودة.[2]

في لقائه مؤخراً المرجعيات الدينية والقائمين على أمور الحج في إيران، اعتبر الإمام القائد أن الحج قضية أساسية وجوهرية للدول الإسلامية، حيث أشار إلى ضرورتها في معرفة قضايا العالم وأوضاع الدول الإسلامية مضيفا: "أيام الحج فرصة عظيمة للتعرف حقا على الأمم والقضايا العالمية حتى لا تنتشر الأخبار الكاذبة في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الكاذبة وتشتت الإنسان وتضلله عن حقائق العالم. كما إن هناك نقطة مهمة في الحج هي أن الإسلام يظهرُعمليا أنه لا يقبل الفروق الموجودة في العالم: كالتمييز العنصري والتمييز الجغرافي والتمييز الطبقي وهذه النقطة مهمة جدا ". [3]

الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى بعض الإجراءات الأمنية التي يجب اتخاذها لحماية الحجاج من الأخطار أثناء أداء فريضة الحج، والتي تساعد في حماية الحجاج من الأخطار وتعزيز الأمن والسلم خلال فترة الحج، وتحقيق أهداف هذه الفريضة بأفضل شكل ممكن وهي: التأكد من هوية الحجاج ، تأمين المنشآت السكنية والطرقات، توفير الرعاية الطبية، توفير وسائل النقل الآمنة، التأكد من سلامة الأغذية...الخ

والخلاصة نستطيع أن نعدد أهم الأفكار التي تجعل الحج يساهم في ارتقاء الأمن في العالم الإسلامي وهي:

1- تعزيز التضامن والتعاون: يجتمع المسلمون من جميع أنحاء العالم في مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وهذا يعزز التضامن والتعاون بين الناس من مختلف الدول الإسلامية، ويساعد على تحسين العلاقات بينهم.

2- التعرف على الثقافات المختلفة: يعد الحج فرصة للمسلمين للتعرف على الثقافات المختلفة من خلال التفاعل مع الحجاج من جميع أنحاء العالم الإسلامي، ويساعد هذا على تعزيز الوعي والتفاهم بين الناس من مختلف الجنسيات والثقافات.

3- تعزيز السلم والأمن: يتم تعزيز الجو السلمي والآمن في مكة المكرمة خلال أداء فريضة الحج، وتعمل العديد من المنظمات والجهات الحكومية لتوفير الأمن والسلامة للحجاج، ويشعر الحجاج بالأمن والطمأنينة خلال فترة الحج.

4- توفير فرص الحوار والتفاهم: يتيح الحج فرصًا للحوار والتفاهم بين الحجاج من جميع أنحاء العالم الإسلامي، ويمكن للناس من خلال هذه الفرص التعرف على بعضهم البعض وتبادل الخبرات والآراء والأفكار.

وأخيراً يعد الحج فرصة غنية للحوار بين النخب والمجموعات المرجعية ولديه القدرة على جذب انتباه المسلمين من واقع الخلافات والصراعات الإقليمية إلى واقع المثل العليا للعالم الإسلامي. وهنا يمكن التحرك في هذا الاتجاه من خلال اختيار مجموعات من النخبة والمرجعية، وإجراء سلسلة من الحوارات العلمية والثقافية والإسلامية بين النخب المسلمة.


حسام السلامة

[1] https://tisri.org/?id=it29zd4d

[2] https://miqat.hajj.ir/article_57793.html

[3] https://2h.ae/EbRh

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال