لقد كانت دول أمريكا اللاتينية دائمًا داعمة للحقوق الفلسطينية وحاولت دائمًا موازنة علاقاتها مع إسرائيل وفلسطين ضمن إطار عملي متوازن. ويمكن اعتبار السبب الرئيسي لهذا النوع من التعامل هو الأسباب الاقتصادية والجهود المبذولة لتوسيع التعاون الاقتصادي مع أمريكا. لكن بعد أحداث 7 أكتوبر، خفضت بعض دول المنطقة علاقاتها مع إسرائيل على مستويات مختلفة أو قطعتها بشكل كامل.
وعندما ننظر إلى توجهات دول هذه المنطقة تجاه القضية الفلسطينية، تبدو هذه التصرفات طبيعية، وقد لعبت دول أمريكا اللاتينية دائما دوراً فعالاً في الصراعات الدائرة في فلسطين المحتلة.
الاعتراف الرسمي بالحكومة الفلسطينية
تعترف دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا وتشيلي وكوبا بالدولة الفلسطينية وتدعمها. وفي الوقت نفسه، لا تزال المكسيك وبنما لا تعترفان بالسلطة الفلسطينية. وتتماشى سياسات دول أمريكا اللاتينية مع النظرة التقليدية لليسار في هذه المنطقة، وهم يعتبرون أنفسهم مناصرين للقضية الفلسطينية لأنهم يعتقدون أن الاحتلال والعدوان كانا جزءاً من نهج الإمبريالية الغربية. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين كوبا وإسرائيل بأنها الدولة الأولى في المنطقة التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل في أواخر السبعينيات.[1] وتتمتع دول أخرى في المنطقة بعلاقات هشة ومليئة بالتحديات مع إسرائيل. ومثال على ذلك بوليفيا التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل عام 2009 أثناء حرب غزة في ذلك الوقت واستأنفت العلاقات عام 2020. ومن الأسباب المهمة لاختلاف نهج دول هذه المنطقة في التعامل مع إسرائيل هي القضايا الاقتصادية واستيراد الأسلحة، فدول أمريكا اللاتينية، وخاصة البرازيل، لديها تجارة واسعة النطاق مع إسرائيل وتسعى إلى الحفاظ على التوازن في علاقاتها لأن القضية الأهم بالنسبة لهم هي الاقتصاد.. يضاف إلى ذلك أن زعماء هذه المنطقة لديهم مواقف أكثر حدة وصرامة بالنسبة لجرائم إسرائيل مقارنة بزعماء أوروبا [2].
وفي تحليل هذا الموقف لزعماء هذه المنطقة، وخاصة تشيلي، تجدر الإشارة إلى أن هذا البلد يضم أكثر من 500 ألف مهاجر فلسطيني وعربي يمارسون ضغوطاً اجتماعية واسعة على الحكومة لإدانة إسرائيل. وفي ظل هذه الضغوط قلصت الحكومة التشيلية علاقاتها مع إسرائيل.
لكن الأمر مختلف قليلاً في الأرجنتين، حيث دفع العدد الكبير من السكان اليهود في البلاد حكومة البلاد إلى اتخاذ مواقف داعمة لإسرائيل. لأن أكثر من 150 ألف يهودي يعيشون في هذا البلد[3].
لكن هناك قضية أخرى مهمة ينبغي الاهتمام بها وهي دعم شعوب ومجتمعات هذه المنطقة لفلسطين. ولعل السبب الرئيسي هو شعورهم بالقرابة مع النازحين في فلسطين، الذين يشتركون معهم في تجربة تاريخية مشتركة تقريبًا. ففي أمريكا اللاتينية، اضطهدت التيارات الاستعمارية الكثير من الناس وألحقت بشعوب هذه المنطقة الكثير من الألم والمشقة. وهذه النظرة المناهضة للاستعمار للقضية الفلسطينية موجودة في قلب مجتمعات أمريكا اللاتينية، حيث تعتبر أن للشعب الفلسطيني الحق في الدفاع عن نفسه. وأيضاً وبنفس النظرة المبنية على تصفية الاستعمار، فإن هذا التضامن العاطفي والتاريخي مع القضية الفلسطينية جعل المجتمعات الفلسطينية المتواجدة في هذه المنطقة أقل عرضة للخطر وتحظى بدعم المنظمات غير الحكومية في هذه المنطقة. وكما ذكرنا، فإن التعبير عن هذه التأييدات الواسعة يمكن رؤيته في مواقف القادة السياسيين في أمريكا اللاتينية أيضاً، الذين يحاولون مراعاة مطالب شعوبهم والاهتمام بالمصالح الاقتصادية والسياسية لحكوماتهم. ولكن في هذه المنطقة يبدو أنه وفقاً لنفس الروتين التقليدي، فإن القيم أكثر أهمية والمجتمعات ليست مستعدة لقبول الدية مقابل جرائم إسرائيل وعلى الحكومات هنا أن تتخذ خطوات تتماشى مع رغبات الناس من أجل البقاء واحترام حقوق الإنسان باعتبارها أولوية هامة. وحتى لو لم يتخذ زعماء دول مثل أمريكا أو فرنسا أو ألمانيا موقفاً حاسماً ويغمضوا أعينهم عن الجرائم التي ترتكب ضد الأبرياء في غزة، فإن أمريكا اللاتينية لديها روح حية ولا يمكنها أن تغض الطرف عن هذه الجرائم.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال