في الأسابيع الماضية وبعد إقامة جلسات بين مسؤولي وزارة الخارجية السورية والتركية حول موضوع تعزيز العلاقات الثنائية، عاد الحديث مجددًا إلى الأجواء المتوترة التي نشأت بين البلدين بعد الاضطرابات في سورية عام 2011، ليصبح حديثًا متداولًا في وسائل الإعلام في منطقة غرب آسيا. من المهم الإشارة إلى أن تطبيع العلاقات بين سورية وتركيا في أجواء الحرب في منطقة غرب آسيا يُعتبر موضوعًا بالغ الأهمية للدول في هذه المنطقة. يمكن أن يكون لرسالة هذا الإجراء السلمي تأثير كبير على العديد من الدول. إن إدراك تركيا ورئيسها بعد سنوات طويلة لأهمية العلاقات الإيجابية مع سورية جارتها يُعتبر مسألة مهمة. لفهم أبعاد هذا الموضوع يجب دراسة تعقيداته والتي سنستعرضها فيما يلي:
مسألة اللاجئين السوريين: وفقًا للإحصائيات التي نشرتها تركيا حول عدد اللاجئين السوريين الموجودين في البلاد، فإن هناك أكثر من ثلاثة ملايين سوري يتواجدون في مختلف أنحاء تركيا.(1) هذه الكتلة السكانية الكبيرة يمكن أن تشكل خطرًا على تركيا كالسلاح ذي الحدين. في العام الماضي لم تتمكن تركيا من تحقيق أهدافها الاقتصادية بسبب الوضع الاقتصادي المتعثر، وقد أشار العديد من المسؤولين في البلاد إلى أن وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين قد أدى إلى تقليل القوة الاقتصادية لتركيا. من الناحية الأمنية يمكن أن يشكل العدد الكبير من اللاجئين السوريين قنبلة موقوتة حيث يمكن أن تؤدي إلى زعزعة أمن تركيا بسهولة، خاصة إذا تم توجيهها من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية. لحل هذه المسألة يسعى رئيس تركيا إلى إقامة علاقات إيجابية مع سورية مما قد يساعد اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم، كما أن تركيا ستتجنب التدخلات غير المبررة في الشأن السوري مما يحافظ على أمنها.
دعم روسيا لتطبيع العلاقات التركية السورية: واحدة من القضايا التي تم متابعتها بشكل متكرر من قبل الرئيس الروسي في الأشهر الماضية هي مسألة تطبيع العلاقات بين تركيا وسورية.(2) الهدف الرئيسي من هذه الخطوة هو تحييد الدور المدمر لتركيا في سورية من خلال قطع الدعم العسكري والمالي الذي تقدمه تركيا للإرهابيين في سورية مما يضمن للجيش السوري أمن النقاط غير الآمنة. هذه المسألة تُعتبر أيضًا ميزة إيجابية لروسيا التي تتواجد في سورية منذ سنوات، حيث لن تضطر بعد الآن إلى تحمل التكاليف العسكرية الباهظة لقمع الإرهابيين المدعومين من تركيا.
تعزيز مكانة سورية: أحد السياسات الرئيسية لسورية في السنوات الماضية كان السعي لاستعادة دورها السابق في الساحة الدولية وقد تم اتباع طرق متنوعة لتحقيق ذلك. عودة سورية إلى جامعة الدول العربية وإعادة فتح سفارات الدول في دمشق،(3) تُعتبر جزءًا من الأنشطة السياسية التي قامت بها سورية لتحقيق هذا الهدف. يُعتبر تطبيع العلاقات مع تركيا، الجارة التي شهدت توترات عديدة معها في السنوات الماضية، انتصارًا دبلوماسيًا مهمًا للنظام السوري ويمكن أن يعزز من مكانة سورية الدولية. هذا التطبيع يمكن أن يكون له أيضًا فوائد اقتصادية لسورية حيث سيساهم بشكل ملحوظ في إعادة إعمار الخراب الناجم عن الحرب الأهلية في البلاد.
بشكل عام، يجب القول إن الهدف الرئيسي لتركيا من تطبيع علاقاتها السياسية مع سورية هو تسوية مسألة اللاجئين السوريين، التي تعتبرها القوى السياسية المقربة من أردوغان سببًا رئيسيًا في هزيمتها في الانتخابات الماضية. كما أن تحسين العلاقات بين تركيا وسورية قد يسهم في حل الملف الأمني السوري إلى الأبد بالنسبة للقوى الإقليمية مثل إيران وروسيا. في الوقت الذي تنتظر فيه منطقة غرب آسيا صراعًا بين إيران والكيان الصهيوني، يُعتبر هذا التطبيع مكسبًا كبيرًا وطمأنينة لمحور المقاومة، مما يمكّن دول هذا المحور من تنفيذ خططها دون قلق لعقاب الكيان ويمكن أن تكون سورية أحد المواقع المحتملة للرد على التهديدات من الكيان الصهيوني.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال