لقد خلقت الاضطرابات المستمرة والصراعات العميقة المتجذرة في منطقة غرب آسيا تحديات لا حصر لها لهذه المنطقة. وفي الآونة الأخيرة وبعد ما يقرب من أربعة أشهر من الحرب بين حماس وإسرائيل، تزايدت التوترات والتحديات الإقليمية بشكل أكبر، وشملت دولا أخرى، كلبنان واليمن وسورية والعراق.
من ناحية أخرى، نشطت دول من خارج المنطقة مثل الولايات المتحدة وإنجلترا في دعم وحماية النظام الصهيوني في منطقة غرب آسيا، ولم تكن قادرة فقط على ضبض تلك التوترات، ولكنها خلقت أيضًا تحديات أخرى.
كما استغل الإرهابيون والمنظمات الإرهابية التي لها قواعد ومقرات في دول المنطقة هذه الفرصة وارتكبوا أعمالا إرهابية في دول لم تشارك في الحرب بين إسرائيل وحماس. وكانت العملية الانتحارية في كرمان واحدة من هذه الأعمال ومن المقرر أن تقوم الجمهورية الإسلامية بالرد بقوة على الجماعات الإرهابية الموجودة في المنطقة.
كانت الهجمات الصاروخية الإيرانية ضد جماعات داعش والموساد الإرهابية في سورية والعراق بمثابة رد إيران الانتقامي وغير المسبوق، والذي لم يكن فريدًا من حيث تركيز الصواريخ ودقتها فحسب، بل أيضًا من حيث جودة وأبعاد المسافة التي قطعتها هذه الصواريخ والرسائل المرسلة، [1] لقد كان الإجراء ذكيًا وجاء في الوقت المناسب للتصدي للمجموعات الإرهابية مثل داعش خراسان والموساد وجيش العدل.
ومن الواضح أنه في مثل هذا الموقف كان لزاماً على قوة إقليمية أن تتدخل لإعادة التوازن إلى المنطقة، وعلى هذا فإن العمل الإرهابي الأخير في إيران دفع الجمهورية الإسلامية إلى استخدام قوتها الصاروخية من خلال اللجوء إلى حق الدفاع المشروع ضد الإرهاب، وإضافة لذلك كي تلعب دورها بشكل صحيح كلاعب توازن إقليمي في منطقة غرب آسيا.
منذ بداية السبعينيات ظلت قضية الإرهاب محل اهتمام مجلس الأمن والجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة. ومنذ عام 1970، وافق مجلس الأمن على 53 قرارا، ووافقت الجمعية العامة على ما لا يقل عن 81 قرارا بشأن مكافحة الإرهاب منذ عام 1972.[2]
وفي السنوات الأخيرة ومع التوسع الكبير للعمليات الإرهابية، يشير أداء الحكومات والإجراءات القضائية الدولية وأحكام القرارات الدولية على قبول حق الدفاع المشروع للدول ضد الجماعات الإرهابية. ويختلف تطبيق هذا الحق على الإرهابيين المتمركزين في أراضي حكومة أجنبية باختلاف المواقف.
وإذا كانت الحكومة المضيفة تحاربهم وحققت نجاحاً في بعض الأحيان، فربما يكون منح حق الدفاع المشروع للحكومة الضحية مخالفاً لفلسفة المادة 51، لأن المفترض هنا أن الحكومة المستفيدة من حق الدفاع المشروع هي فقط الحكومة الضحية نفسها,
لكن في حالة عدم قدرة الحكومة المضيفة للجماعات الإرهابية على قمعهم، فإن حق الدفاع المشروع يقترن بتأييد عقيدة مسؤولية الحماية وعقيدة التدخل الإنساني؛ ولكن إذا لم تكن الحكومة المضيفة على علم بذلك، فيبدو أنه بعد إرسال إنذار مسبق للحكومة المضيفة، فإن الحق الذاتي في الدفاع المشروع سيكون موجودًا ومبرراً للحكومة الضحية.
كما أنه إذا أصبحت الحكومة المضيفة ملجأ للجماعات الإرهابية التي تعيش هناك بموافقة تلك الحكومة، فيبدو أنه سيكون هناك إمكانية للدفاع المشروع ضد الجماعات الإرهابية، بشرط عدم وجود نية للتعدي على الأراضي في تلك الدولة. وتوجد نفس النظرية حول الإرهابيين المتمركزين في الدولة والذين يعملون بدعم من تلك الدولة. [3]
وفي هذا الشأن، رأينا أنه بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية على جماعة جيش العدل الإرهابية، وخلال المحادثة بين وزيري خارجية إيران وباكستان، طلب وزير خارجية باكستان من الجانب الإيراني تقديم معلومات لباكستان عن الجماعات الإرهابية في باكستان تماشيا مع التعاون المشترك بين البلدين. [4]
ولذلك، فإن الدفاع المشروع ضد الجماعات الإرهابية في أراضي حكومة أجنبية، إذا كان بغرض الدفاع عنها أو قمعها ودون نية مهاجمة أراضي الحكومة المضيفة، سيكون مسموحًا به بموجب شروط مثل الضرورة والتناسب، ولن تنتهك السلامة الإقليمية للبلد المضيف.[5]
وبناء على ذلك، لا بد من القول إن الهجمات الصاروخية الإيرانية كانت مشروعة تماماً، لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية سبق أن حذرت حكومات العراق وسورية وباكستان من أن الإرهابيين في هذه البلدان يقومون بأعمال ضد إيران ويجب محاسبتهم. وكانت إيران قد بعثت برسالة وحذرت الحكومة العراقية من أن الموساد يتآمر على الأمن القومي الإيراني في كردستان العراق، بل إن البعض (في الحكومة العراقية) ردوا: ليس لدينا سيطرة على كردستان والأكراد يتصرفون وفق هواهم. وحتى حكومتي سورية وباكستان ناقشتا مع إيران مرات عديدة خطر الإرهابيين في بلديهما، وكانت إيران قلقة من وجود الإرهابيين وعملياتهم.
ولأنه في جميع القرارات المتاحة في الأمم المتحدة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، لا يوجد ذكر للسماح للحكومات باتخاذ إجراءات عسكرية ضد الإرهابيين الموجودين في أراضي حكومة أجنبية، ويعني ذلك فقط مسؤولية الحكومة المضيفة تجاه الحكومة الضحية.. ويبدو أنه بعد تحذير الحكومة المضيفة وإبلاغها، وإذا لم تتحرك الحكومة، فلن يكون هناك أي مانع من اللجوء إلى الحق الأصيل في الدفاع المشروع ضد الإرهابيين.[6]
ولذلك، فإن دفاع إيران المشروع وإجراءاتها المناهضة للإرهاب كان رداً على الجرائم والاغتيالات والعمليات التخريبية التي نفذها الإرهابيون ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الأخيرة، بدءاً من اغتيال العلماء النوويين والتخريب في المراكز والمواقع النووية الحساسة والعمليات الإرهابية على الحدود والأماكن الدينية، ومؤخراً أيضاً العملية الانتحارية في كرمان التي تسببت في مقتل وإصابة المئات من الرجال والنساء والأطفال.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال