بعد 11 عاما عادت الحكومة السورية إلى جامعة الدول العربية بتصويت حاسم؛ ويعتبر هذا الحدث أبعد من مجرد ظهور دولة في مؤتمر دولي، فهو إشارة لفشل سياسات الغرب وحلفائهم العرب ضد المحور الإيراني و حلفائه في المنطقة.
هناك بعض الأشياء التي يجب ملاحظتها حول هذا الموضوع:
- لم تبذل الحكومة السورية الحالية أي محاولة للعودة إلى جامعة الدول العربية بل على العكس من ذلك الدول العربية هي من سعت لإعادة العضوية للدولة السورية انطلاقاً من مكانتها في العالم العربي وقد توضحت أيضاً حقيقة أن حكم الأسد بات مستقراً وثابتاً.
- زار الرئيس الإيراني آنذاك المملكة العربية السعودية شخصيا في عام 2012 لمنع إخراج الدولة السورية من جامعة الدول العربية، لكن الملك عبد الله ملك السعودية الذي كان يرى سقوط الأسد وشيكاً وعلى حافة الإنهيار ، رفض الامتثال لطلب الرئيس الإيراني .
- في ذلك الوقت، كانت جمهورية إيران الإسلامية معزولة أيضا في العالم العربي بسبب دعمها لسورية، لكن رسالة عودة حليف إيران الاستراتيجي إلى جامعة الدول العربية سيقوي ويثبت قوة محور المقاومة ونهجها في تغيير المعادلات في منطقة غرب آسيا.
- لطالما كانت الحكومة السورية منبرا لإيران في العالم العربي والأمم المتحدة على مدار الـ 44 عاما الماضية ودعمت بجدية مواقف الجمهورية الإسلامية؛ باستثناء التصويت الإيجابي في بيان جامعة الدول العربية احتجاجا على رفض إيران قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 في 1987م. ولا يتذكر الكاتب أي موقف دبلوماسي سلبي من دمشق تجاه طهران .
- إن عودة حكومة الأسد إلى جامعة الدول العربية تعني قبول دور وموقف الجمهورية العربية السورية في المنطقة وإضعاف موقف النظام الصهيوني والولايات المتحدة وقطر والسعودية وتركيا في المعادلات الإقليمية.
- عبارات مثل الأسد يجب أن يذهب (الأسد يجب أن يرحل) تكررت كثيراً على لسان أوباما وجون كيري وقادة الاتحاد الأوروبي، ولكن في نهاية المطاف بقي حليف جمهورية إيران الإسلامية في الحكم، والأهم من ذلك هو الإعتراف به من قبل المجتمع الدولي اليوم بعد كل تلك المواقف الر افضة.
إن ترسيخ حكومتي العراق وسورية في المعادلات الإقليمية وتفوقهما على الإرهاب التكفيري والضغوط الدولية سيكون له آثار جيوسياسية وجيواقتصادية وجيوستراتيجية على العالم .
بالطبع الأهم هو وصول إيران إلى مياه البحر الأبيض المتوسط وإنشاء ممر طهران-بغداد-دمشق-بيروت، والذي إذا كان متصلا بخارطة الطريق الصينية سيكون له فوائد اقتصادية طويلة الأمد على كل الدول المذكورة وسيربط الشرق بالغرب.
إن إضعاف النظام الأحادي القطب في العالم هو أثر آخر لتوطيد الجمهورية العربية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد.
في عامي 2012 و 2013 عقدت اجتماعات بعنوان أصدقاء سورية وجنيف 1 و 2، حضرها حوالي 70 دولة (معارضة لمحور المقاومة وحكومة بشار الأسد ) بقيادة الولايات المتحدة وكان من غير المرجح حسب رأي المراقبون السياسيون آنذاك أن تصمد سورية مع كل هذا الحجم من الضغط السياسي في الساحة الدولية ضد حكومة الأسد وضد السياسات الاستراتيجية لإيران وروسية، لكن مقاومة حزب الله وفيلق القدس والمتطوعين الأفغان والباكستانيين والعراقيين إلى جانب حق النقض الذي تتمتع به موسكو في مجلس الأمن الدولي، استمرت حتى عام 2015 ومنعت سقوط دمشق، ومنذ سبتمبر 2015 أدى دخول سلاح الجو الروسي في الحرب لتغير في المعادلات الميدانية تماما لصالح النظام الشرعي الحاكم في سورية.
في الواقع كان العامل الرئيسي الذي أدى إلى انتصار الأسد الدبلوماسي اليوم هو تفوقه في الميدان، و لو كان للإرهابيين التابعين لقطر وتركيا والإمارات والسعودية ميزة تجعلهم ينتصرون في الميدان لما شهدنا مثل هذا التراجع الواضح والتخلي عنهم من قبل الجميع.
أخيرا ما يحدد المعادلات الدولية هو إنجازات الميدان والمقاومة على الأرض والقوة العسكرية (بالطبع لا ينبغي إغفال دور الثبات والاستقرار الاقتصادي في ذلك).
خلاف ذلك لم يظن أحد أن الرئيس بشار الأسد سيبقى في السلطة في ذروة العزلة السياسية للحكومة السورية وعلى الرغم من الحصار الكامل لدمشق ووصول الإرهابيين إلى ساحة الأمويين والدخول لمبنى وزارة الدفاع في 18 يوليو 2012 . لكن بصمود الجيش العربي السوري ودعم حلفائه إيران وروسيا وحزب الله أثبت قوته في المعادلات الميدانية وبقي في الحكم واضطر خصومه في الساحة الدولية إلى قبوله والإعتراف به بعد العزلة الطويلة.
حسام السلامة
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال