دائماً كانت كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء تحمل الكثير من الأبعاد والرسائل، بالإضافة طبعاً للبعد الوجداني الذي يعطيه سماحته حقه دوماً وفاءً وتقديراً.
وبذلك، تكون الذكرى مناسبة للاضاءة على أغلب الجوانب المهمة في توقيتها، ولكن قد تكون كلمته في ذكرى القادة الشهداء هذا العام (2022) هي الأكثر حساسية لما تحمله في الشكل والمضمون، من رسائل وأبعاد مهمة، من الواجب التوقف عندها ومحاولة مقاربتها بما يمكن أن تشكله من تغييرات مفصلية في المواجهة ضد العدو الاسرائيلي.
الرسالة الأولى للقادة الشهداء، هي رسالة وفاء لشهادتهم ولما قدموه للمقاومة وللبنان، وتمثّلت بتقديم ملخص واضح لما وصلت إليه مسيرة المقاومة اليوم من قدرات وامكانيات.
هذه المسيرة التي أطلقها هؤلاء الشهداء منذ العام 1982 باللحم الحي وبقدرات متواضعة، أصبحت اليوم، وبفضل الله وببركة مسيرة الشهداء، وبفضل مسار مضنٍ من التعب والعمل والصمود، مسيرة قوية محصنة ثابتة، تملك امكانيات ضخمة في الأسلحة والتجهيزات. وتجاوزت هذه الإمكانيات بأشواط أغلب حركات المقاومة في العالم، وباتت بمصاف امكانيات الجيوش القادرة المقتدرة.
الرسالة الثانية هي للعدو الاسرائيلي، حين أشار السيد وللمرة الأولى، الى أن المقاومة باتت تملك من الإمكانيات التقنية والعلمية والعسكرية، ما يجعلها قادرة على تحويل الصواريخ التي بحوزتها، الى صواريخ دقيقة، ومسار هذا التحويل انطلق منذ سنوات.
هذا الإنجاز لناحية امتلاك آلاف الصواريخ الدقيقة، لن يكون وقعه عادياً على العدو الذي كان يشكل امتلاك المقاومة عشرات منها كابوساً له، فكيف سيكون عليه الحال مع امتلاكها الآلاف منها؟
أيضاً، تضمنت الرسالة للعدو، إشارة ثانية من السيد بأن المقاومة أصبحت تصنع طائرات مسيّرة، وهي تسير منذ سنوات في هذا المجال، بما تحمله هذه القدرة من مفاجآت وغموض حول أنواع وامكانيات ومميزات هذه المسيّرات، والتي من غير الواضح كيف سوف تدير المقاومة مناوراتها انطلاقاً من الحدود الجنوبية الملاصقة بالكامل والمتداخلة جغرافياً مع أراضي فلسطين المحتلة، بما تحضنه من مستوطنات ومراكز ومنشآت مدنية وعسكرية لدى العدو.
انطلاقاً من رسالتَي تحويل الصواريخ الى صواريخ دقيقة وتصنيع المسيّرات، أوضح السيد للعدو وبكل بساطة أن معركته بين الحروب التي لجأ إليها منذ سنوات لمواجهة إجراءات المقاومة لامتلاك قدرات الردع وتوازن القوة المختلفة، من خلال استهداف خطوط وآليات نقلها ومخازنها، أصبحت دون جدوى ولم تعد هذه المعركة صالحة أو منتجة، فالصواريخ الدقيقة والمسيّرات أصبحت تصنع لدى المقاومة وانتهت الى غير رجعة تحديات وصعوبات مغامرة نقلها عبر سوريا أو البحر.
أيضاً، وبكل هدوء وثقة، لم يكتف السيد بهذا المسار الصادم من الرسائل الحساسة التي أوصلها للعدو، فعاجله بصدمة أخرى حين نبهه الى استعداد المقاومة، وبكل ما يستدعيه الموضوع من إمكانيات تقنية وعلمية وعسكرية واستعلامية، لمواجهة أي عملية مشابهة لعملية “انصارية”، والتي لم يخرج العدو حتى الآن من تأثيراتها الكارثية عليه، وذلك فيما لو حاول الأخير تنفيذ أي عملية كشف أو ملاحقة لقدرات المقاومة المذكورة (الصواريخ الدقيقة والمسيّرات).
وتبقى الرسالة الأخيرة الأكثر تعبيراً والأوسع تأثيراً، والتي يمكن استنتاجها وتلقفها من عبارة “باقون نحمي ونبني”، لتكون المعادلة التي اختارتها المقاومة لمواجهة المرحلة المقبلة، بما تحمله من تحديات وصعوبات.
بقلم: شارل ابي نادر
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال