رعب صهيوني من المقاضاة بمحكمة لاهاي.. أسبابه وتبعاته؟ 178

رعب صهيوني من المقاضاة بمحكمة لاهاي.. أسبابه وتبعاته؟

تحذيرات جديّة أطلقها معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب من تبعات قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بمقاضاة روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، على الكيان الإسرائيليّ الذي يواجه دعوى مماثلة من قبل الفلسطينيين بسبب الاحتلال والاستيطان والحروب التي تشنها عليهم، بالتزامن مع الإجرام المتصاعد لـ”إسرائيل” التي لا تكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، وقد عبّر وزير خارجية الاحتلال، يائير لابيد، سابقا، عن مخاوف تل أبيب من إمكانية وصف دولتهم المزعومة بـ ”العنصرية” من قبل محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، محذراً من نجاح الجهود الفلسطينية في عزل الكيان الغاصب وحرمانه من المشاركة في الفعاليات الدولية كنوع من العقاب على جرائمه تجاه الفلسطينيين، وخاصة في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة له بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، وأنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق الفلسطينيين.

قلق إسرائيليّ عارم

في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة والمُثبتة لـ “إسرائيل” بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، اواستغراب الفلسطينيين من طريقة التعاطي الغربيّ مع الأزمة الأوكرانيّة وقيام دول غربيّة عدّة بتجنيد عدتها وعتادها لإرسالها نحو أوكرانيا لإنجاز مهمات مختلفة، رجح باحثون إسرائيليون أن قيام المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، ولا سيما خلال زيارته التي أجراها الأسبوع الماضي إلى مدينة بوتشا في ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، بتصنيف أوكرانيا بأنها “مسرح جريمة”، وقوله في تصريحات صحفية إن المحكمة الجنائية الدولية لديها “أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم تدخل في اختصاصها في أوكرانيا”، قد حرر من عقالها مخاوف إسرائيلية كانت مكتومة في ضوء قرار المحكمة هذا، الصادر في فبراير/ شباط 2021، والذي نص على أن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تمتد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 وتشملها.

ومع المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو الإسرائيليّ بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، دون تحريك أيّ ساكن من الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطيّة، وظهور الازدواجيّة منذ أن دعت الولايات المتحدة والدول الأوروبيّة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بشأن “الغزو الروسيّ” لبحث الأزمة التي يواجهها من اختاروا أن يكونوا “مستقلين” وفقاً لتوصيفهم، وتداعي قادة حلف “الناتو” لبحث التطورات المحتملة، إلا أن الحرب الأوكرانية بينت أن المدعي العام للمحكمة الدولية مُخول بفتح وإجراء تحقيقات جنائية في جرائم الحرب التي تُتهم “إسرائيل” باقترافها في فلسطين، الشيء الذي نال ترحيبا فلسطينيا لدرجة اعتباره قرارا تاريخيا، في حين أن ردة الفعل من جانب إسرائيل والولايات المتحدة اتسمت بالغضب العارم إلى حد الجنون حيال هذا القرار، والتشديد على رفضه ومحاولة الطعن في صدقيته ومشروعيته، بل الطعن في صدقية المحكمة الدولية بالمجمل وشن هجوم كاسح عليها ورميها بأقذع الأوصاف، إلى درجة وصف قرارها الأخير هذا بأنه “مُعادٍ للسامية”، على حد زعمهم.

وبالتزامن مع هذه الشهادة الدولية القويّة والمحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، تدعم بعض الأطراف العصابات الصهيونيّة وتساندها بمختلف الأدوات ضد هذا الشعب الذي يطرد من أرضه بشتى الوسائل وبمختلف الأساليب والأسلحة، ما يعني أن “إسرائيل” والولايات المتحدة وفقا لمحللين فلسطينيين تواجهان في الوقت الراهن احتمال إجراء تحقيقات جنائية مع مسؤولين رسميين كبار فيهما، سياسيين وعسكريين، على خلفية احتلال الصهاينة المستمر للأراضي الفلسطينية وما اقترف الاحتلال من جرائم مختلفة لا تعد ولا تحصى، وقيام الولايات المتحدة بجرائم حرب ارتكبها الجيش الأمريكي، قواته وقادته وجنوده، ضد الشعب الأفغانيّ الأعزل.

وبالاستناد إلى التساؤلات التي يطلقها الفلسطينيون حول ازدواجيّة المعايير الغربيّة والأمريكيّة في التعاطي مع القضيّة الفلسطينيّ التي تُعد من أهم القضايا الدوليّة والإسلاميّة والعربيّة، والتي لم تُفرز حتى اللحظة عن مساءلة “إسرائيل” على جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، تؤكد ورقة تقدير موقف جديدة صادرة عن “معهد أبحاث الأمن القومي” التابع لـ جامعة تل أبيب أن طريقة نشاط خان، الذي سيشغل منصب المدعي العام في محكمة لاهاي مدة 9 أعوام، تبين بوضوح أنه يتبع نهجا جعل هذه المحكمة عنصرا مركزيا وذا تأثير في الصراعات في وقت وقوعها الحقيقي بما من شأنه أن يضفي عليها صفة “حامي النظام العالمي” في مقابل كل من يحاول تقويضه، بعد أن أصبح اللون والدين والعرق هوية وعنصرا لضياع القيم والأخلاق والإنسانيّة، وباتت الشرعية الدوليّة تكيل بمكيالين، تضيع العدالة وتسحق الحق وتستبد القوة، وخاصة أنّ عشرات القرارات من الشرعية الدوليّة ضاعت وسُحقت أمام جبروت القوة وغياب التطبيق لها، وما زال الشعب الفلسطينيّ ضحية الاحتلال الصهيونيّ الغاشم وغياب العدالة.

نقطة تحول

إن المنظمات الدوليّة والأمميّة التي اتخذت مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمات آنية، بينما تمتنع عن اتخاذ مواقف حازمة تجاه “إسرائيل” وجرائمها التي امتدت لأكثر من سبعة عقود وفقاً لمسؤولين فلسطينيين وهذا يعكس حجم الازدواجيّة الغربيّة والأمريكيّة في التعامل مع ملفات أخرى، لكن قيام المحكمة بموازاة ذلك بإخضاع روسيا إلى التحقيق يمكن أن يؤدي وفقاً للمعهد الإسرائيليّ إلى نقطة تحول في كل ما يرتبط بموقف الرأي العام العالمي حيال محكمة لاهاي، فيما تحظى هذه المحكمة بنظرة إيجابية لدى مزيد من الأوساط في الرأي العام العالمي بسبب موقفها من الحرب التي يشنها الروس على أوكرانيا.

وباعتبار أنّ الوقائع أثبتت الرغبة العارمة للإسرائيليين في الهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لمصلحة الإسرائيليين اليهود، فإنّ الإسرائيليين قلقون للغاية من محاسبة الكيان حيث تشير الورقة الإسرائيلية إلى أن قرار محكمة لاهاي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء في إثر توجه 41 دولة أعضاء في المحكمة إليها، ما يعكس مشروعيتها الكبيرة والتأييد السياسي الواسع الذي تحظى به، وهذا بحد ذاته تهديد للصهاينة الذين أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج “القبضة الحديديّة” وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.

وإنّ ما يخيف الإسرائيليين هو استشعار الصهاينة بتغير سياسة “الكيل بمكيالين بقضية فلسطين” و تغول نظام القطب الواحد على المنظومة الدوليّة، وفرض إملاءات قائمة على الترهيب والبلطجة والانتقائية في التعامل مع معايير القانون الدوليّ التي على مكانة القانون ومؤسساته في العالم، بدا واضحاً من خلال الورقة الإسرائيلية التي أشارت إلى أنّ هذه النزعات المُستجدة يمكن أن تؤثر على التحقيق الذي قررت هذه المحكمة إجراءه بشأن “إسرائيل” من جوانب مختلفة أبرزها زيادة التوجه المتعاطف مع محكمة العدل الدولية ولا سيما من جانب الدول الغربية، والذي يُحتمل أن يضع عقبات أمام سعي تل أبيب لتجنيد دول وجهات ذات تأثير من أجل ممارسة ضغوط على المدعي العام في المحكمة لتجميد إجراء التحقيق ضدها، وذلك بموازاة زيادة الضغط عليها أكثر من السابق في سبيل أن تتعاون مع المحكمة وترضخ لأحكامها، إضافة إلى احتمالية سحب البساط من تحت الادعاء القائل إن هذه المحكمة لا تمتلك الشرعية للتحقيق مع مواطني دولة ليست عضوا فيها، وهو الادعاء الذي تسلح به الإسرائيليون كثيرا للحؤول دون القيام بأي تحقيق معهم، وذلك لأنّ روسيا ليست عضوا في المحكمة الدولية غير أن التحقيق معها يحظى بتأييد عالمي منقطع النظير.

ومع التذكير بعبارة “العالم يعاقب روسيا لغزو أوكرانيا، لكن الفلسطينيين يسألون لماذا لا نفعل شيئا لإنهاء الاحتلال الإسرائيليّ”، تطرح روسيا حاليا مزاعم تبدو شبيهة بالمزاعم التي تطرحها “إسرائيل” منذ سنوات طويلة، وخصوصا الادعاء بأنها تهاجم أهدافا عسكرية فقط، وبأن هجومها مشروع، وبناء على ذلك يمكن أن يكون هناك سوابق تلتجئ إليها المحكمة الدولية حيال هذه الادعاءات، وإذا حدث هذا الأمر فستكون هذه السوابق ذات صلة أيضا بالنسبة إلى تل أبيب وارتباطها بالهجمات التي تقوم بها قواتها ضد أهداف فلسطينية.

ختاماً، إنّ تكشف حقيقة “إسرائيل” الدمويّة التي تتستر على جناياتها من خلال وسائل الإعلام العالميّة التي يريد اليهود الكثير منها، تحارب تل أبيب بكامل قوتها المقاطعة التي تشنّها منظمات معروفة لمقاضاة وكشف وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ومنع إضفاء الشرعية على “إسرائيل”، فيما تقوم سلطات الاحتلال بممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية والرئيس عباس للتنازل عن الدعوى المقدمة ضد “إسرائيل” في محكمة لاهاي وتحاول ابتزاز الجانب الفلسطيني وتقايضه وذلك خوفا من قرارا خطير تتخذه المحكمة الدولية وتدين فيه إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، والذي إذا ما تم سيساهم بشكل كبير في فضح قذارة ودمويّة الكيان الصهيونيّ، والتي يغضّ الطرف عنها منذ عقود. 

المصدر: الوقت

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال