كانت زيارة الرئيس بوتين يوم الأربعاء إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية واحدة من رحلاته القليلة والهامة بعد بدء الحرب في أوكرانيا. وكان قد سافر سابقًا إلى الصين وإيران وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق[1].
وكانت لهذه الرحلة أهمية خاصة بالنسبة لروسيه ودولتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كان ترحيب محمد بن زايد الحار بالسيد بوتين أكثر من المتوقع بكثير، ووصف الرئيس الروسي بصديقه العزيز. وبعد هذه المحطة، ذهب السيد بوتين إلى المملكة العربية السعودية والتقى بولي العهد السعودي[2].
يمكن رؤية أهمية هذه الرحلة بعدة اتجاهات. ولعل الأول منها يتلخص في رسالة روسيه الواضحة إلى الغرب بأن البلاد لم تعد معزولة وأن شركاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين في المنطقة يرحبون بالرئيس الروسي بأذرع مفتوحة. وهذه رسالة واضحة للغرب مفادها أن سياسة عزل روسيه قد فشلت وأن روسيه قادرة الآن على التحرك مرة أخرى على مسرح النظام الدولي.
علاوة على ذلك، تمت هذه الرحلة في خضم الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، وكان من بين أجندة الطرفين الحديث عن كيفية إنهاء الحرب. وفي انتقاده للدبلوماسية الأميركية في هذا الصراع، قال بوتين إن سبب الحرب هو أنانية أميركا وتعسفها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وهو يعتقد أن الولايات المتحدة قد تنجح إذا تعاونت مع شركاء مؤثرين آخرين في الشرق الأوسط. وكان بوتين يشير إلى المبادرة الرابعة، التي سعت فيها روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى حل القضية الفلسطينية. ويبدو أن السيد بوتين قد فهم في هذه المحادثات قلق الأطراف العربية من توسع الحرب في المنطقة، ونظراً أيضاً لعلاقاته الوثيقة مع إيران، هناك احتمال أن يضغط على إيران لتخفيف الضغط عن طريق علاقتها بجبهات المقاومة. وقد ذكرت روسيا دورها كوسيط لحل هذه القضية، وقال السيد بوتين إنه بفضل علاقاته الوثيقة مع الأطراف المتصارعة، يمكنه التوصل إلى أجندة ناجحة وإنهاء الحرب في غزة. وأكد بالطبع أن هذا ممكن بتعاون القوى الإقليمية وأن ممارسة روسيا ليست مثل ممارسة الولايات المتحدة. في الواقع، يبدو أن روسيا يمكن أن تقدم نفسها كبطل لحل هذا الصراع، وبالنظر إلى الأدوات التي تمتلكها، فليس بعيدًا عن العقل أن روسيا ستستخدم ثقلها مرة أخرى لتكون لاعبًا مهمًا في الأزمات العالمية[3].
ومن الأهمية الأخرى لهذه الرحلة بالنسبة لروسيا التأكد من دور الإمارات في تجاوز العقوبات وتوفير العملة التي تحتاجها روسيا. وخلال الحرب في أوكرانيا، عملت الإمارات كمركز مهم لتوفير العملة والتحايل على العقوبات لروسيا، وفي هذه الرحلة، سعى السيد بوتين إلى الحفاظ على هذا الدور من جانب الإمارات. وتعلم روسيا جيداً أنه إذا انضمت الإمارات إلى النظام المالي الخاضع للعقوبات ضد روسيا، فإن هذا البلد سيواجه تحديات خطيرة للغاية. وفي الواقع أعرب السيد بوتين عن تقديره لهذا الدور الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يمكن أن يكون نوعا من الحياد.
كما أن اللقاء مع ولي العهد السعودي كان مهماً جداً بالنسبة للسيد بوتين. لأن المملكة العربية السعودية، باعتبارها أكبر منتج ومصدر للنفط، تلعب دورا هاما في تسعير هذه السلعة المهمة. وتسعى المملكة العربية السعودية، باعتبارها عضوًا في أوبك+، إلى جانب روسيا، إلى خفض إنتاج النفط، وقد أكد الزعيمان على هذه القضية. وفي حقيقة الأمر إن هذا التقارب في وجهات النظر يرجع في معظمه إلى مصالحهم المتبادلة. روسيا تحتاج إلى سعر مرتفع للنفط لتمويل احتياجات الحرب في أوكرانيا وأيضا للضغط على بايدن والأوروبيين، والسعودية تحتاج إلى بيع النفط بسعر مرتفع لتمويل مشاريعها الكبيرة والطموحة. ويبدو أن هذا الاتفاق على خفض إنتاج النفط يشكل إنجازاً كبيراً في هذه الرحلة لروسيا التي تستطيع تحقيق أهدافها من خلال إدارة الحرب في أوكرانيا بشكل أفضل[4].
وفيما يلي، يمكن النظر إلى الهدف الأخير لهذه الرحلة على أنه تأكيد السيد بوتين للعرب على العلاقات الوثيقة بين طهران وموسكو. وهو يدرك جيداً المخاوف العربية من تصرفات إيران وقدراتها. ومن منطلق أن إيران لا تسعى إلى جعل المنطقة غير آمنة وأن إيران مجهزة بأسلحة متطورة لمواجهة الولايات المتحدة وليس دول الجوار، فقد سعى لتقليل هذا الخوف الأمني للدول العربية. لأنه إذا لم يتم حل هذا الأمر فإنه يمكن أن يؤدي إلى زيادة النفوذ الأمريكي في المنطقة، وهو أمر غير مرغوب بالنسبة لروسيا.
لذا فقد استعاد بوتين الآن القدر الكافي من الثقة للسفر إلى الخارج، ومن المرجح أن يزور الهند وتركيا في المستقبل القريب، الأمر الذي يبعث برسالة قوية إلى الغرب مفادها أن روسيا لم تعد وحدها وإنها خارج العزلة التي فُرضت عليها.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال