أثناء الإنتخابات الأمريكية التي تُعقد في شهر نوفمبر يتم تصميم برامج سياسية متنوعة لتشجيع المواطنين في أمريكا على التصويت عبر النظام الانتخابي الأمريكي. واحدة من أهم هذه البرامج هي المناظرات الثنائية بين مرشحّي الانتخابات. خلال هذه المناظرات يتاح لمواطني الولايات المتحدة الاطلاع على آراء ومواقف المرشحين في هذه الدورة الانتخابية بشكل واضح وصريح. إن خطابات وتوضيحات كل مرشح بشأن القضايا والمشكلات الوطنية تجد استجابة واسعة في وسائل الإعلام والرأي العام الداخلي والخارجي، وفي هذا السياق سنتناول إحدى ادعاءات المرشح الديمقراطي في هذه الدورة الانتخابية والذي قال خلال مناظرته مع المرشح الجمهوري: (1)"لا مكان للعنف في الولايات المتحدة." وسنقوم بدراسة هذا الادعاء بناءً على الوضع القائم في الولايات المتحدة.
يتزايد العنف المسلح في المدن الأمريكية وفقًا لأحدث المعلومات التي تسربت عبر وسائل الإعلام، حيث شهد عام 2024 زيادة في حوادث العنف المسلح باستخدام الأسلحة النارية في المدن الأمريكية(2) مما دفع مواطني الولايات المتحدة إلى الإقبال بشكل أكبر على شراء الأسلحة للدفاع عن أنفسهم. يمكن أن يضع هذا الوضع ضغطًا نفسيًا على المواطنين ويؤثر كذلك على سلوكهم الانتخابي. تُعد مصانع الأسلحة أحد الداعمين الرئيسيين للمرشحين الانتخابيين في الولايات المتحدة حيث يستثمرون بشكل كبير في الانتخابات ويميلون عادةً إلى تقديم المساعدة المالية للمرشحين الجمهوريين.
إحدى القضايا التي برزت بشكل خاص في انتخابات عام 2020 وما تلاها هي انقسام المجتمع الأمريكي في ذلك العام عندما طلب ترامب من مؤيديه، خلال فترة محاكمته، أن يوقفوا إجراءات المحكمة من خلال اقتحام مبنى الكونغرس (3)مما أدى إلى حالة من الفوضى غير المسبوقة في العاصمة واشنطن، مما استدعى تدخل القوات الخاصة والجيش لإدارة الأزمة. بعد هذا الحدث حذر العديد من الخبراء السياسيين في البلاد من زيادة التوترات الثنائية في المجتمع الأمريكي، واعتبروا أن النتيجة الطبيعية لهذه الظاهرة هي ارتفاع مستويات العنف بين المواطنين الأمريكيين.
فيما يتعلق بزيادة الضغط على المهاجرين فإن إحدى القضايا التي يتم العمل عليها بشكل منهجي في الولايات المتحدة هي منع دخول المهاجرين الأجانب.(4) في عام 2016، عندما تولى ترامب الحكم كانت إحدى أولى خطواته زيادة الرقابة على الحدود لمنع دخول المهاجرين، مما أدى إلى بناء جدار حدودي مع المكسيك وزيادة التوترات مع الولايات المتحدة. وقد كانت هذه القضية أيضًا أحد نقاط النزاع بين المرشحين في الانتخابات الأخيرة. هذا الضغط المنهجي الذي يعاني منه المهاجرون في السنوات الأخيرة أدى إلى رفع مستوى الحساسية النفسية وزيادة قابلية الاستفزاز في أوساط هذه الفئة من المجتمع الأمريكي. كما أسفر هذا الضغط عن وقوع العديد من الحوادث العنيفة في المدن الأمريكية مما زاد من الإحصائيات العامة للعنف في الولايات المتحدة وجعل الادعاء بعدم وجود عنف في البلاد مجرد حلم للسياسيين بعيد المنال في المدى القصير.
بشكل عام يمكن القول إن المجتمع الأمريكي في السنوات الأخيرة شهد ظهور سياسيين متطرفين يسعون للسلطة بكافة الوسائل. هؤلاء الأفراد قد زادوا من حدة الانقسام في البلاد من خلال مواقفهم. وقد أصبحت المجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة أحد بؤر العنف الرئيسية بالإضافة إلى الأمريكيين من أصل أفريقي الذين تعرضوا للظلم بشكل منهجي على مر تاريخ الولايات المتحدة مما جعل العنف فيها أمرًا شائعًا ومألوفًا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال