حددت كلا من الصين والولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة أهدافهما في مختلف قارات العالم انطلاقًا من تحديد كل منهما لدورها في مستقبل السياسة الدولية.(1) وتعدّ القارة الأفريقية من أهمّ أهداف النفوذ لدى الصين والولايات المتحدة، نظرًا لمواردها الطبيعية وموقعها الجيوسياسي. وقد وضعت الدولتان برامج متنوعة لتحقيق أهدافهما في هذه القارة. تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق أهدافها من خلال التركيز على العتاد والنهج الحاد، بينما تسعى الصين إلى تحقيق أهدافها من خلال النهج الناعم. بالطبع سيكون لهذه المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في أفريقيا مظاهر عديدة ومتنوعة سنناقشها من خلال هذا المقال كما يلي؛
سياسة دعم المؤسسات مقابل سياسة فرض الذات. خلال العقد الماضي ركّزت الصين على إنشاء ودعم المؤسسات المحلية في مختلف مناطق العالم، سعيًا منها إلى تعزيز المؤسسات الإقليمية لتحقيق أهداف هذه الدول. ويتمثّل نهج الصين الخاص تجاه القارة الأفريقية في إنشاء منتدى لدول القارة لتعزيز التعاون الثنائي معها. كما أنها تؤثر على الدول الأفريقية من خلال تصميم حزم استثمارية متنوعة والتأكيد على احتياجات الدول في هذا المنتدى، المعروف باسم "منتدى التعاون الصيني الأفريقي". وعلى عكس النهج الصيني الموجه نحو دعم المؤسسات، فإن النهج الأمريكي الذي اعتمد فرض النفوذ على القارة الأفريقية يقوم على تعزيز قدرات هذا البلد مقابل وقف نفوذ الصين في القارة. وقد خلصت الدول الأفريقية من خلال حساباتها إلى أن العلاقات الثنائية مع الصين يمكن أن تحقق نموًا اقتصاديًا وعسكريًا مناسبًا لهذه الدول (2)، وفي هذا الشأن فإن مخططات الولايات المتحدة هي ليست أكثر من مجرد مواجهة مع دولة ثالثة وبالطبع لا مكان لتطوير الدول الأفريقية في هذا النهج.
الدبلوماسية الناعمة مقابل الدبلوماسية الصارمة، غالبًا ما تكون الخطط الدبلوماسية الصينية مصممة على المدى الطويل، وقد تم إعداد استجابات مناسبة لمختلف احتياجات الدول الأفريقية. على سبيل المثال تستضيف الصين عشرات الآلاف من القوات العسكرية الأفريقية للتدريب العسكري والثقافي كل عام، مما يدل على أهمية قضية التعليم وحتى تعريف الجنود الأفارقة بالثقافة الصينية. على النقيض من هذه الخطة، فإن خطة الجيش الأمريكي لتكثيف نهجه العدواني تتمثل في تحديد بؤر التوتر في مختلف أنحاء العالم، وإعداد وحدات خاصة متعددة المهام لمواجهة الصين والتعامل معها بحزم عند الضرورة. في النهج الأمريكي تقلص دور الحلفاء إلى مجرد أداة لتحقيق الهدف المنشود، ولم يشاهد أي دورٌ للدول الأفريقية بل وحتى دول أخرى سوى أنها مجرد أدوات بيد الولايات المتحدة.
الاستقرار والأمن مقابل التدخل: طرحت الصين منطق بناء التضامن والاستقرار في المجتمعات الأفريقية، وقد لاقى هذا النهج ردود فعل إيجابية من هذه الدول في السنوات الأخيرة. وعلى النقيض من منطق الاستقرار، هناك المنطق التقليدي لتدخل الدول القوية في الدول الضعيفة. وهناك قصص تاريخية عن النضال ضد الاستعمار في الدول الأفريقية تُظهر عدم شرعية المنطق التقليدي للتدخل في الدول الأفريقية. ويجب على حكومة الولايات المتحدة أن تفهم منطق العمل السياسي في أفريقيا لإضعاف دور الصين في القارة الأفريقية(3) بالوسائل العسكرية والاقتصادية. إن حساسية الولايات المتحدة تجاه نفوذ الصين الواسع في أفريقيا منعتها من رؤية حقيقة الميدان في هذه المنطقة. وضعت إدارة ترامب خططًا للحفاظ على الموقع الجيوسياسي للصين في أفريقيا، لكن هذه الخطط لن تكون حلاً للحفاظ على موقع هذا البلد نظرًا لطبيعتها الجامدة وغير المرنة(4).
الاحتواء أو المشاركة: في السنوات القليلة الماضية كانت القارة الأفريقية مجرد ساحة للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، والذي يمكن تلخيصه في كلمتين: الاحتواء أو المشاركة. هذان المنطقان اللذان يتخللهما بطريقة ما عروق فلسفية عريقة، هما المقياس الذي تعتمد عليه دول الجبهتين الشرقية والغربية لتحديد أي منهما يمكن أن يحقق التقدم والازدهار في عالم اليوم. ستكون السنوات القادمة هي الوقت المناسب لاختبار نتائج هذين النهجين على مستوى السياسة الدولية.
الخلاصة
القارة الأفريقية تعرف أنها قارة الفرص ويمكن إلى جانب دول الجنوب العالمي، الاعتراف بها كدول عالمية قوية في السنوات القادمة. لهذا السبب تريد الصين والولايات المتحدة نفوذاً أوسع في هذه المنطقة من أجل تعزيز مكانتهما الجيوسياسية. إن النظام العالمي الجديد للمستقبل هو مزيج من القوى الناشئة والدول الشرقية التي تتمتع بمنطق شعبي لدى شعوب العالم. لن يكون هناك منطق تقليدي للتدويل والاحتواء والعقوبات في هذا النظام الدولي الجديد.
امير علي يگانة
1- /https://www.brookings.edu/articles/a-new-us-africa-blueprint-for-trump-amid-chinas-rise
2- https://www.idcpc.org.cn/english2023/opinion/202409/t20240902_165116.html
3- /https://www.brookings.edu/articles/us-china-engagement-in-africa-a-crossroads
4- /https://rpublc.com/vol9-no2/africa-trump-transactionalism
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال