خلال الأسابيع الماضية طالبت الولايات المتحدة بإخراج الجمهورية الإسلامية الإيرانية من لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة في حال أن هذا البلد نفسه يصنف بأنه أكبر منتهك لحقوق المرأة الذي أوجد أصعب الظروف الظالمة للمرأة في سوق العمل بالإضافة إلى التمييز ضد النساء، في ظاهر القضية حاولت الحكومات الأمريكية تلميع صورة جميلة ورمزية عن مكانة المرأة في بلادها ولكن و مع القليل من البحث حول هذه القضية يمكن الكشف عن أبعاد جديدة للقضية.
ببحث بسيط على مواقع الإنترنت قد تجد الكثير من شكاوى منظمات حقوق المرأة ومنظمات حقوق الإنسان والتي يدور فيها الحديث عن العنف ضد النساء الأمريكيات والتمييز بينهما. وقد استخدمت هيومن رايتس ووتش عبارة “تخلف أمريكا في حقوق الإنسان” لوصف الوضع في الولايات المتحدة عام 2020. وفقًا للتقارير التي تم إجراؤها في السنوات الأخيرة وعلى التوالي من قبل معهد طومسون كانت أمريكا دائمًا من بين أكثر 10 دول غير آمنة بالنسبة للنساء في العالم. وعلى الرغم من الكشف عن أبعادها المختلفة إلا أن الإحصائيات والبيانات المتعلقة بها بقيت دون تغيير لمدة عقد تقريبًا ولم تتناقص بأي شكل من الأشكال. وفي وصفه للظروف غير العادلة للمرأة في سوق العمل يقول الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: مقابل كل دولار يُدفع للرجال تحصل النساء على 78 سنتًا فقط. يتم فصل العديد منهن من وظائفهن بعد الحمل كما إن ترفيعاتهم الوظيفية محدودة جداً. وفي هذا الصدد ورد في تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الصادر عام 2017 كلمة “عقاب الأمهات”! جاء في هذا التقرير: “بعد الولادة يجب أن تتحمل المرأة عقاب الأمومة».[1] في عام 2015 أبلغ وفد الأمم المتحدة إلى الولايات المتحدة للتحقيق في وضع التمييز ضد المرأة عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق المرأة وأعلن أن وضع النساء الفقيرات والهنديات والأفريقيات واللاتينيات أسوأ بكثير. وفقًا لخبراء الأمم المتحدة فإن الظروف الصحية والطبية للنساء في الولايات المتحدة غير مناسبة أيضًا ووفقًا للإحصاءات فقد ارتفع معدل وفيات الأمهات الحوامل بنسبة 136 ٪ في العقدين الماضيين .[2]
بالإضافة إلى الوضع المزري للمرأة من الناحية الصحية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً فإن العديد من حقوقها الأساسية تُنتهك. على سبيل المثال بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على اعتماد قانون المساواة في الأجور في أمريكا لا تزال هناك فجوة كبيرة بين النساء الأميركيات وبين زملائهن الرجال بالنسبة للرواتب، بينما يتزايد التمييز بين “الجنس والعرق” في المجتمع الأمريكي كل يوم. ربما تكون الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي انضمت إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لكنها لم تصادق عليها أو تنفذ شيء منها رغم كل التأكيد والتشديد على ذلك.
في الرسم البياني أدناه المأخوذ من البيانات المنشورة على موقع Statistica [3] وهو مرجع دولي يوضح الإحصاءات والبيانات العالمية يتضح أن النساء وخاصة النساء ذوات البشرة الملونة يتلقين أجوراً أقل من الرجال البيض. تكسب المرأة على الأكثر 58٪ مما يكسبه الرجل الأبيض اي ما يعادل نصف ما يكسبه الرجل الأبيض تقريباً في نفس الوضع الوظيفي ويمكن أن يسمى هذا الانتهاك الأول للحقوق والتمييز المنهجي ضد المرأة في الولايات المتحدة.
ومم ناحية أخرى في بحث أجرته الرابطة الصينية لدراسات حقوق الإنسان تبين أن المرأة الأمريكية “تعاني من تمييز طويل الأمد ومنهجي وواسع النطاق بصورة علنية ومخفية “. يشير هذا البحث المستقل والواسع إلى انتهاك حقوق المرأة في مجال التوظيف والأجور والترفيع الوظيفي فضلاً عن حالات التحرش الجنسي والعنف المتكرر في مكان العمل في المجتمع الأمريكي اليوم. في التقارير التي قدمها المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها تشير البيانات أنه في السنوات الأخيرة كانت واحدة على الأقل من بين كل أربع نساء في الولايات المتحدة ضحية للعنف المنزلي.[4]
يوضح الشكل أدناه متوسط عدد ضحايا العنف الأسري خلال عام 2021 مما يدل على ارتفاع مستوى العنف ضد المرأة في المجتمع الأمريكي وهي أرقام لم تسمح وسائل الإعلام في ظل حكم الحزب الحاكم بالإفصاح عنها ولن تسمح بذلك أبدًا.
في الوقت نفسه وفقًا لـ هيومن رايتس ووتش زاد عدد السجينات الأمريكيات 700 مرة في العقود الثلاثة الماضية.[5] هذه القضية وحدها تُظهر عمق الفساد بين المجتمعات الأمريكية وخاصة النساء لأنه في نفس الوقت الذي تزداد فيه الجريمة ستحدث أيضًا انتهاكات واسعة النطاق لحقوق المرأة.
يمكن وصف جميع الحالات المذكورة سابقاً أنها تحت عنوان “تخلف أمريكا وسجلها الأسود في حقوق المرأة” الذي استخدمته هيومن رايتس ووتش لوصف الولايات المتحدة في عام 2020. لأن مجتمع اليوم في الولايات المتحدة يواجه على نطاق واسع عدم المساواة والتمييز فضلاً عن الانتهاكات المنهجية لحقوق المرأة، الآن في هذا الوضع الذي تدركه السلطات الأمريكية جيدًا وقد شاهدت كل هذه الحالات وتحاول باستمرار إنكارها ومن أجل مواصلة سياساتها المخادعة فهم يظهرون أنفسهم ويحاولون إدانة بلدنا في الأوساط الدولية بالإشارة إلى السعي لتحقيق العدالة. اليوم وفي حال تحررت المؤسسات الدولية من عبء الاعتماد على أمريكا وتعاملت مع مشاكل المجتمعات الغربية بطريقة مستقلة وعادلة فلا يكتفى بطرد الحكومة والمجتمع الأمريكي بصفتهما أكبر منتهكي حقوق الإنسان والمرأة من الأوساط الدولية، بل على هذا الحجم من الأكاذيب والنفاق كان لابد من محاكمتها في محاكم عادلة ومنصفة وكان من المفترض أن تُنتقد من قبل العالم كله باعتبارها أكبر منتهك لحقوق المرأة، ولكن وبكل أسف معظم المنظمات الدولية أصبحت أدوات بيد القوى الغربية المستبدة حيث تستخدمها من أجل أن تخفي نقاط ضعفها ومشاكلها وتحاول إخفاء الحقيقة وتجميل صورتها من خلال الظهور.
المصادر:
[3] https://www.statista.com/study/74904/the-next-recession-in-the-us/
[4] https://www.healthline.com/health/domestic-violence-costs
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال