تحدّث تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” بعنوان “الأوروبيون قلقون من أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى الحدّ من دعم أوكرانيا”، عن قلق حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا المتزايد من أن “الجبهة الموحدة” للغرب ضد العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا يمكن أن تتفكك بسرعة في حال انتصار الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني الحالي.
ووفقاً لاستطلاع أجرته شركة تحليل البيانات “ورنينغ كونسلت”، قال 29 بالمائة فقط من الجمهوريين الذين استُطلعت آراؤهم إنهم يعتقدون أن واشنطن تتحمّل مسؤولية مساعدة كييف. وكان زعيم الحزب الجمهوري في مجلس النواب كيفين مكارثي حذّر في 18 تشرين الأول الماضي من أن الجمهوريين لن يكتبوا “شيكاً على بياض” لأوكرانيا في حال استعادوا أغلبية مجلس النواب. وفي السياق نفسه قال لو شيانغ، الخبير في العلاقات الدولية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، على خلفية الوضع الحالي، إن الديمقراطيين سيخسرون غالبية أعضاء مجلس النواب، وإن فاز الجمهوريون بأغلبية في مجلس النواب في 8 تشرين الثاني، فسيكون هناك تعديل واضح في سياسة واشنطن تجاه أوكرانيا، وستتراجع المساعدات الأمريكية لأوكرانيا بعد انتخابات التجديد النصفي، أو ستنخفض بشدة.
يلحظ المجتمع الدولي بشكل واضح التغيير المتكرّر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويكمن السبب الأساسي في التناقضات الهيكلية للنظام السياسي الأمريكي. ويشير لو شيانغ إلى أن الحزبين يمثلان مجموعات مصالح مختلفة، وكلّ انتخابات هي في الأساس تغيير في مجموعة المصالح المهيمنة، ويمكن لمثل هذا النظام السياسي أن يعمل كآلية تصحيح أحياناً. ومع ذلك، مع الانحدار النسبي للولايات المتحدة، تمّ الكشف عن التناقضات عميقة الجذور في مجالات مثل الاقتصاد والسياسة والهوية الثقافية، ومن الصعب على الولايات المتحدة تخصيص موارد كافية لدعم هيمنتها العالمية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة الحفاظ على سياسة خارجية ثابتة ومتسقة.
على خلفية القضايا الحالية، أدّى عدم اليقين والتغيير المتكرّر في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى جلب مخاطر سياسية ضخمة لجميع الدول الأوروبية، حيث تميل بمعظمها إلى الاعتماد على الولايات المتحدة من أجل الأمن. ونظراً لأن الأزمة الأوكرانية تؤثر بشكل ملحوظ على الإطار الأمني لأوروبا، فمن الطبيعي أن تعرب الدول الأوروبية عن قلقها بشأن تحرك الولايات المتحدة المحتمل لتقليل دعمها لأوكرانيا، فقد أدّت الأزمة الأوكرانية التي أثارتها الولايات المتحدة إلى تقويض الدول الأوروبية، حيث وصل معدل التضخم في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي وتفاقمت أزمة الطاقة. ومع اقتراب فصل الشتاء، تشعر العديد من الدول الأوروبية بالقلق الآن بشأن تأمين موارد الطاقة من أجل التدفئة، وفي حال خفضت الولايات المتحدة مساعدتها لأوكرانيا، فسوف يتعيّن على أوروبا بلا شك أن تتحمّل المزيد.
لقد أوقعت الولايات المتحدة حلفاءها في شرك، وجعلتهم يتكبّدون خسائر فادحة، مرات عديدة، رغم أن الصدع بين الولايات المتحدة وأوروبا كان قائماً بالفعل!.
ستصبح الانقسامات والنزاعات بين الولايات المتحدة وأوروبا واضحة بشكل متزايد بسبب التناقض في السياسة الأمريكية. وإذا خفضت الولايات المتحدة دعمها لأوكرانيا بشكل جذريّ بعد انتخابات التجديد النصفي، فمن المتوقع أن يتسع الخلاف بشكل أكبر، وأن تزداد أزمة الثقة عمقاً. ومن هنا، لا تزال أوروبا بحاجة إلى الحفاظ على الاستقلالية لأن الاعتماد الكبير على الولايات المتحدة هو، في السياسة، بمثابة كارثة بالنسبة لأوروبا.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال