سليماني والأمن الاجتماعي.. عن حربه ضد عصابات المخدرات والجريمة 31

سليماني والأمن الاجتماعي.. عن حربه ضد عصابات المخدرات والجريمة

عُرف قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني، بالقائد الموجود في كلّ مكان، الذي لا يعرف حدوداً، إذ اعتاد عبورها بخفّةٍ، من إيران إلى أفغانستان، ومن العراق إلى لبنان وسوريا وفلسطين، وصولاً إلى اليمن، لتنفيذ مهمّات “مستحيلة”، ومواجهة الاستكبار العالمي.

في رسالةٍ إلى الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العام للقوة متعددة الجنسيات في العراق، في ربيع عام 2008، كتب سليماني معرّفاً عن نفسه: “أنا المسؤول عن سياسة إيران في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وغزة”.

سليماني، وبحسب ما ذكر في رسالته المذكورة، أخذ على عاتقه، منذ أن بدأ مسيرته في حرس الثورة الإيراني أوائل عام 1980، مواجهة كل من يريد العبث بمقدّرات الشعوب، ومحاربتها واستبدادها.

ما يتبقى في الأذهان بشأن سليماني هو النضال الدؤوب ضد “إسرائيل” والولايات المتحدة ومرتزقتهما في المنطقة، لكنّ حقبةً مميزة في مسيرته الاستئنائية تلك، كانت مكافحته مافيا المخدرات على حدود الجمهورية الإسلامية.

بداية مسيرة سليماني في القتال، كانت بمشاركته في الحرب الإيرانية العراقية التي استمرّت 8 أعوام. خلال هذه الحرب الطويلة، قاد سليماني فيلق “41 ثار الله”، وهو فيلق محافظة كرمان، مسقط رأسه، وبعد ذلك تمّت ترقيته ليصبح واحداً من بين 10 قادة مهمين في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود.

خلال سنوات الحرب هذه، كانت مافيات المخدرات تنشط في المحافظات الشرقية لإيران، بمحاذاة باكستان وأفغانستان والتي كانت تعتبر إيران ممرها الرئيسي لتوزيع المخدرات على العالم، بعد أن “تستورده” من أفغانستان.

ونظراً إلى كفاءته التي أثبتها في الحرب الإيرانية العراقية، وإلى معرفته بمدينة كرمان الحدودية مع أفغانستان، أُوكلت إليه مهمة القضاء على هذه العصابات عام 1988. وعليه، شكّلت قوات حرس الثورة مركز قيادةٍ لمواجهة تلك العصابات، بقيادة سليماني.

كانت الأجزاء الجنوبية الشرقية من إيران مصدر تحديات متعددة للحكومة المركزية، لكونها تقع على مسافةٍ بعيدة من مركز السلطة في طهران، ولاحتواء مجتمعها هيكلاً عشائرياً في سيستان وبلوشستان.

ولذلك، وصل تأثير ذلك إلى مقاطعة كرمان، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر هناك، وهو الأمر الذي ساهم، بشكلٍ كبير، في تهريب المخدرات.

مركز “American Enterprise Institute” للبحوث السياسية، تحدّث عن تلك الحقبة من مسيرة سليماني، متناولاً أسباب اختياره لهذه المهمة الصعبة. المركز أشار، في هذا السياق، إلى أنّ “قرية رابورد الجبلية في كرمان النائية، مسقط رأس سليماني، والأقرب إلى الحدود الأفغانية، لديها بنية قبلية، ومن شأن ذلك أن يعدّ سليماني للعمل في هذه المجتمعات، مثل تلك الموجودة في أفغانستان”.

مهمّة القائد سليماني على الحدود، وصفتها تقارير بأنّها كانت “أصعب من الحرب”، لأنّ مافيا المخدّرات، كانت تستخدم أبناء القرى المستضعفين، في نشاطاتها غير القانونية، إذ كانت مهمة سليماني تقضي، بتطهير تلك المناطق سلمياً، وبأقلّ الأضرار الممكنة.
زعماء المافيات هناك، سعوا إلى محاصرة سليماني من خلال التهديد، وشارف على الموت عدة مرات، كما حاولوا مرةً اختطاف أبنائه لأخذهم رهائن، لكنّه بالرغم من ذلك، استمرّ في مهمته تلك من دون أي تردد.

وبعد 3 سنوات من المطاردة ومن التحذيرات، أدرك زعماء المافيا، أنّهم ليسوا في مأمنٍ من عمليات الحرس بقيادة سليماني داخل الحدود وخارجها. وفي النتيجة، استسلم أفراد تلك العصابات، مسلّمين أسلحتهم للقوات الإيرانية.

قام الشهيد بعد ذلك بحفر الآبار الإرتوازية لاستخراج المياه، لإتاحة الفرصة لأهالي القبائل، في عيش حياةٍ مستقرّة وشريفة من خلال ممارسة الزراعة. كما أنّه تولى بنفسه رعاية أسرة أحد أهمّ التجّار المسلحين، الذي قُتل على أيدي قواته، واستطاع بذلك أن يُعيد الأمن والاستقرار إلى المحافظات الجنوبية والشرقية لإيران.

بحسب الإعلام الإيراني، فقد كانت ثمرة حضور “الحاج قاسم” في المناطق الحدودية للجمهورية الإسلامية، توفير أمن الناس، ومواجهة الجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات، والتكاتف بين الشيعة والسنة في تلك المنطقة.

ووفقاً لمركز “American Enterprise Institute”، فقد أثبتت حملة سليماني هذه “نجاحها في النهاية”، مشيراً إلى أنّ “أهالي كرمان وسيستان وبلوشستان، ما زالوا يعتبرون حقبة وجوده في الأجزاء الشرقية والجنوبية الشرقية من البلاد من بين أكثر العصور أمناً”.

وأضاف المركز أنّ “القضاء على هذه التجارة الرائجة، أكسب سليماني احترام سكّان العالم جميعهم، وليس الإيرانيين فحسب”.

لا شكّ في أنّ كل محطةٍ من مسيرة القائد سليماني في المنطقة، تُعد مؤثّرة ومهمّة بشكلٍ كبير. لكنّ تجربة الشهيد الفريدة في القضاء على عصابات المخدرات عند الحدود الإيرانية الأفغانية والباكستانية بالذات، كانت لها آثار مهمّة في تعزيز وعي سليماني وخبرته، وفي تعيينه بعد ذلك قائداً لقوّة القدس، ليكون “رجل الظل، الموجود في كل مكان”.

المصدر: الميادين

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال