في الفترة الماضية، أعلن المندوب الدائم لسوريا في الأمم المتحدة بسام صباغ، عن قرار دمشق بشأن المعابر الحدودية "باب السلامة" و "الراعي"، حيث مددت الحكومة السورية الترخيص الممنوح للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة لاستخدام المعبرين المذكورين لمدة ثلاثة أشهر تنتهي في 13 أغسطس 2023، ووفقاً للمعلومات فإنّ هذا القرار يدل على رغبة سوريا في تعزيز الاستقرار وتحسين الوضع المعيشي والإنساني لجميع أبناء الشعب السوري، إضافة إلى الجهود المبذولة لتسهيل إرسال المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين، لكنّ ما يعرف بـ "قانون قيصر" الأمريكيّ الذي يعبر بمثابة "صخرة أمام مساعدة سوريا" ما زال يمنع إعادة إعمار هذا البلد، وذلك عقب عرقلة أمريكيّة طويلة لمساعدة الشعب السوريّ، الذي تحمل الكثير من الخيبات والألم، وذلك ليس بغريب من الدولة التي حاربت سوريا لسنوات طويلة وأرادت إضعاف وتمزيق وحدتها لإرضاء مصالحها في المنطقة، كما أنّها حتى اللحظة تسرق الثروات السورية عقب سنوات من الدمار والحصار وتوجه بها إلى الأراضي العراقية عبر المعابر غير الشرعية لسوريا، في سياق اللعنة الأمريكيّة التي انصبت على هذا الشعب منذ سنوات طويلة ودمرت بلاده ونهبت خيراته واستمرت في قتل كل ما هو جميل فيه بالتعاون مع بعض الجهات الحكوميّة والإرهابيّة التي هي في الأساس صناعة أمريكيّة.
لعنة أمريكيّة جديدة
إلى اليوم، ما زالت سوريا تعيش آثار الزلزال المدمر والحصار الخانق، في وضع اقتصاديّ يصفه الناس بـ "المأساويّ" للغاية، ورغم ذلك تسعى الولايات المتحدة لمنع تطبيع العلاقات مع سوريا ووضع العصي في دواليب سير تلك القضية، وبعد فشل الولايات المتحدة في موضوع منع تطبيع الدول العربية مع سوريا وعودة هذا البلد إلى جامعة الدول العربية، تحاول منع مشاركة هذه الدول في إعادة إعمار سوريا من خلال توسيع "قانون قيصر"، رغم كذبة الرئيس الأميركي جو بايدن حول تمديد ما تسمى "حالة الطوارئ" بشأن سوريا لمدة عام إضافي، وزعمه أنّ تصرفات "نظام الأسد" ما تزال تشكل تهديدا غير عاديّ للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وتقوم مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي بصياغة تشريع جديد يهدف إلى تعزيز قدرة الحكومة الأمريكية على فرض العقوبات، وتحذير الدول الأخرى من تطبيع العلاقات مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، في ظل معارضة أمريكية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية في الوقت الحالي، وتأكيد واشنطن أنّها لن تطبع علاقاتها مع الرئيس الأسد وأنها لا تدعم قيام حلفائها بخطوات في هذا الاتجاه، ولم يكن هذا مستغرباً من الدولة التي أصدرت قانوناً جديداً لمنع وعرقلة التطبيع مع سوريا، كي لا تظهر الإدارة الأمريكية كالخاسر في هذه الحرب التي لم تترك أخضر في البلاد، في ظل الوجود غير الشرعيّ للقوات الأمريكيّة في المنطقة الشرقيّة السوريّة والذي يركّز على "الفوائد الاقتصاديّة والتقسيم" بمزاعم دعم ما تُطلق على نفسها "قوات سوريا الديمقراطية" التي يهيمن عليها بعض القياديين الأكراد الحالمين بدولة قوميّة ضمن الأراضي السوريّة.
وفي الوقت الذي يهدف فيه هذا القانون الجديد إلى معاقبة أي جهة أجنبية تقدم دعمًا ماليًا أو ماديًا أو تقنيًا للحكومة السورية، ستتم معاقبة أي شخص يساعد الحكومة السورية في أي عقد غاز وكهرباء أو أي مصدر طاقة آخر غير مصرح به من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، تتهم الولايات المتحدة بغضها الطرف عن الوضع الإنسانيّ المقيت للشعب السوريّ ونهب ثرواته، والحفاظ على سياسة قذرة نتيجة معارضة سياسة الرئيس بشار الأسد، وقد عملت الولايات المتحدة على عرقلة مسار المساعدات الإنسانية الدولية المنقذة للحياة والتي تهدف إلى مساعدة ضحايا الزلزال حتى أجبرت على تعليق قانون قيصر شكليّاً، لكنّها لو قتلت كل أبناء هذا البلد بلمحة بصر لما تحرك للأمريكيين ساكن كما يقول السوريون، حيث جاءت تلك اللعنة الأمريكيّة الجديدة بعد بيان للجامعة العربية الذي أفاد بأن وزراء الخارجية العرب تبنوا رسمياً -في اجتماعهم الأخير- قرارا ينص على عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة، واستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية باجتماعاتها، بعد غياب دام ما يقارب الـ12 عاماً.
سياسة أمريكا تجاه سوريا
يعلم أغلبنا أنّ تصرفات الولايات المتحدة تجاه سوريا طبيعيّة جداً، باعتبارها الدولة الإرهابية التي تعامت عن أرواح الأبرياء وبلائهم وقتلت ودمرت سوريا وشعبها وما زالت تسرق بوضح النهار قمحهم ونفطهم، وتدعم مشاريع التقسيم والإرهاب والتجويع، رغم الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها السوريون والتي لا يمكن وصفها بكلمات بعد الزلزال المدمر، في وقت تفرض فيه واشنطن –صاحبة هراء حقوق الإنسان والديمقراطية- أشدّ العقوبات والحصار على السوريين والذي يذيقهم الويلات بل تستمر في تعزيز وتطوير حصارها لوقف عجلة الحياة والتطوير في هذا البلد، فيما ينجو من ذلك المناطق التي يديرها عملاء واشنطن أي المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السوريّة وبالأخص مناطق ما تُسمى "الإدارة الذاتية"، وعلى ما يبدو فإنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في محاولات لإصلاح العلاقات من "قلب العروبة النابض" قد صفع الأمريكيين وسياستهم الفوضويّة في العالم، وخاصة بعد انقطاع دام لسنوات، وبالتالي فإنّ تهافت عودة المياه إلى مجاريها مع دمشق أغضب البيت الأبيض الذي لا يحترم سيادة الدول ولا القانون الإنسانيّ تحت كذبة حقوق الإنسان، بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد والتي أطفأت شمعتها الحادية عشر منذ أشهر.
ويعتقد كثيرون أنّ الولايات المتحدة وبسبب تاريخها الدمويّ والقذر في تدمير الدول وحصار الشعوب واغتيال السلام، وباعتراف مسؤوليها هي التي أسست ونظمت وسلحت تنظيم “داعش” الإرهابيّ وقامت بزرعه في المنطقة لتدمير سوريا وغيرها، وسهلت ويسرت لجميع الإرهابيين والمجرمين والمنحرفين فكريّاً وأخلاقيّاً الانضمام لهذا التنظيم، وساعدتهم بقوة في التغلغل داخل الأراضي العراقيّة والسوريّة، بهدف إثارة الفوضى وتفتيت الجيوش النظاميّة واستنزافها، وبعد فشل التنظيم الإرهابيّ رغم عملياته الاجراميّة الكثيرة وتمدده لسنوات على الارض وسيطرته على العديد من المدن، قامت واشنطن بتنفيذ السيناريو الذي وضعته أجهزة مخابراتها، ونشرت قواعدها وقواتها المُحتلة بشكل غير شرعيّ تحت عنوان “محاربة داعش”، لتحقق مؤامراتها في تدمير الدول التي تعتبر معادية لها وللكيان الصهيونيّ المجرم فتنهب خيراتها وتحاصر شعبها وتحاول القضاء على دورها، واستخدمت كل قوانينها "الإرهابيّة" لقتل ما تبقى من حياة في بعض الدول.
وعلى هذا الأساس، يريد البيت الأبيض حرمان الشعب السوريّ من ثرواته ورزقه ومنع أيّ أحد من مساعدته ودعمه، في ظل مواصلة حصار جائر يفرضه الأمريكيّ وحلفاؤه وأدواته في المنطقة ضد هذا البلد، بعد أن تبنّت الإدارة سياسة الاحتلال شمال شرق سوريا، لتحقيق مشاريعها الهدامة في المنطقة، فيما تعتبر دمشق أنّ تلك السياسة تمثل أبشع أشكال النفاق، ويتجاهل أصحابها أنهم السبب الأساس في معاناة السوريين جراء دعمهم للإرهاب، وقد كذب الأمريكيون ولو صدقوا، لأنّ الغدر الأمريكيّ في شعوب المنطقة ليس جديداً والعراق أكبر الشهود، في ظل قيامهم بتجويع وزيادة مأساة الشعب السوري الذي يعيش أسوأ ظروف في تاريخه، وإنّ الأهداف الأمريكيّة واضحة للجميع، فعقلية الأمريكيّ لم تتغير يوماً، والرغبة الأمريكيّة بإسقاط الأنظمة المخالفة لها وتدمير البلدان وحصار الشعوب التي لا تخنع لإملاءاتها علنيّة، أم نسينا أنّ وواشنطن عملت كل ما بوسعها لإسقاط سوريا المقاومة من خلال دعم التنظيمات الإرهابيّة بشكل لا محدود بالتعاون مع دول معروفة، لهذا لم يتبق لديها سوى "إرهاب الحصار" وقوانينها الدمويّة المخادعة التي لم تتبن يوماً قراراً لمحاسبة الآلة العسكريّة للعصابات الصهيونيّة الفاشيّة في فلسطين.
في الختام، تبتعد المنطقة شيئاً فشيئاً عن السيناريو الأمريكي، وإنّ التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط خير دليل على ذلك، ولا سيما مشاركة سوريا في اجتماع جامعة الدول العربية واستئناف العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، و هذا يدل على أن المنطقة تتحرك بعيدًا عن السيناريو الذي أعدته الولايات المتحدة، وقد رحب المجتمع الدولي بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لأنها فعالة في تعزيز التعاون الإقليميّ وتحسين الاقتصادات، ومن ناحية أخرى تعزز صوت الجامعة العربية في المحافل الدولية، وسيساهم ذلك في تهدئة الأوضاع في المنطقة وتهدئة الدور الأوسع للدول العربية على الساحة الدولية، والدليل ما تحدثت به وسائل الإعلام الأوروبية حول الدور المدمر وطويل الأمد لأمريكا في المنطقة، والذي أدى إلى حروب لا نهاية لها، والآن أكثر من أي وقت مضى، تسعى شعوب المنطقة إلى تشكيل مصيرها بأيديها بعيداً عن قطب الشر الأمريكيّ.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال