هاجم الإرهابيون المعروفون باسم هيئة تحرير الشام يوم الأربعاء الماضي 7 ديسمبر على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية في محافظة حلب وذلك بعد ساعات قليلة من تنفيذ وقف إطلاق النار بين لبنان وكيان الاحتلال الإسرائيلي وبعد تهديد سورية من قِبل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء كيان الاحتلال، أعلن بعدها الجيش السوري في بيان له في 11 ديسمبر أن الإرهابيين "دخلوا إلى أجزاء واسعة" من أحياء مدينة حلب، ولكنه أشار إلى أنهم "لم يتمكنوا من الحفاظ على مواقعهم أو تثبيتها" وما زالت الاشتباكات مستمرة. وفي الوقت نفسه انتشرت تقارير متناقضة حول بدء عمليات الأكراد السوريين في وسائل الإعلام. وتشير هذه الظروف مجتمعة إلى أن سورية ستشهد ساعات وأيامًا صعبة وحاسمة في المستقبل القريب.
بعد انتهاء تنظيم داعش في نوفمبر 2017 قامت الحكومة السورية بنقل إرهابيي تحرير الشام (أو جبهة النصرة السابقة) من جميع أنحاء البلاد إلى محافظة إدلب. في عام 2018 تم توقيع اتفاقية في مؤتمر عالٍ في سوتشي بين موسكو وأنقرة لنزع سلاح الإرهابيين وخروجهم من هذه المنطقة؛ ولكن مع ذلك لم تلتزم أنقرة بتعهداتها ولم تتخذ أي خطوة نحو نزع سلاحهم. على مدى السنوات الماضية، كان الجيش السوري يستهدف مواقعهم مباشرة بعد النشاطات الإرهابية للمجموعات المدعومة من تركيا في تلك المنطقة. كانت حالة الجمود التي واجهها الإرهابيون في إدلب بالإضافة إلى الظروف الإقليمية وتركيز الجيش السوري وحلفائه على جنوب وشرق سورية تمثل أفضل فرصة لتنظيم عملياتهم ضد الحكومة السورية مما أتاح لهم توسيع نطاق نفوذهم بهدف الإطاحة بالحكومة المركزية.
وتظهر هذه الهجمات، من حيث الدعم المعلوماتي والعملياتي واللوجستي أنها تتجاوز تصميم مجموعة إرهابية بسيطة. بعد عملية "طوفان الأقصى" اصدر الكيان المحتل وعوداً متعددة للشعب والتي كانت تهدف إلى تدمير حماس وإعادة الأسرى وبعدها ارتكب الكيان جريمة كبيرة في غزة مما أدى إلى صدور حكم اعتقال بحق رئيس وزراء ووزير الحرب الإسرائيلي من قبل المحكمة الدولية في لاهاي. وبالرغم من أن الكيان بسبب دخول حزب الله بسرعة إلى المعركة في الشمال، لم يحقق أيًا من هدفه المزعوم إلا أنه استغل صمت المجتمع الدولي تجاه جرائمه وشن هجومًا على لبنان في محاولة لإلحاق ضربة قوية بحزب الله وتضعيف محور المقاومة. من المؤكد أنه لو حقق الكيان الإسرائيلي نجاحًا في لبنان لكان توجه إلى سورية لتفتيت حلقة الاتصال المهمة بين إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان حيث كانت العراق واليمن خيارات محتملة مستقبلية.
ومع ذلك تمكن حزب الله من إحباط خطط الكيان الإسرائيلي في الجنوب وكذلك في الشمال. لذا بدلاً من فتح جبهة جديدة وخطيرة، تعاون الكيان مع تركيا وأمريكا والناتو مستعينًا بالإرهابيين التابعين لتركيا وذلك لتشتيت الجيش السوري في أزمة داخلية وإذا لزم الأمر اتخاذ إجراءات بأنفسهم. على مدار أكثر من عام من الحرب نفذ الكيان الإسرائيلي عدة غارات جوية على سورية لعرقلة دعم دمشق الكامل لمحور المقاومة. بل حتى أن تل أبيب تلقت من حلفائها العرب مثل الإمارات والأردن اقتراحًا بإعادة بناء سورية وتدمير الجماعات الإرهابية مقابل انفصال سورية عن محور المقاومة إلا أن بشار الأسد لم يقبل بهذه الاقتراحات وبعد شهر من كشف هذه الاقتراحات تضافرت جهود الكيان الإسرائيلي مع تركيا وأمريكا مع مساعدة الإرهابيين لزيادة الضغط على محور المقاومة.
ومع ذلك نظرًا لأن تركيا وأمريكا قد أعلنتا رسميًا براءتهما من هذه الهجمات فقد زادت هذه المسألة من سهولة العمليات للجيش السوري. بالإضافة إلى ذلك تساهم المحادثات الدبلوماسية السورية مع العراق والإمارات في فتح مسارات سياسية لمواجهة الأزمة.(1)
وعلى الرغم من قدرات الجماعات الإرهابية على إحداث الأذى والضرر يؤكد اللواء حسن على الخبرة والقدرة العالية للجيش السوري في الحروب الحضرية ويعتقد أن هذه الخبرة ستكون فعالة في إدارة الأزمات الحالية.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه المعركة إلى تكثيف العملية السورية الروسية لتحرير الطريق الدولي M4، الذي تم الاتفاق عليه سابقاً بين تركيا وروسيا ولكن لم يتم تنفيذه بعد. ويبدو أن الوقت قد حان لتنفيذ هذا الاتفاق وربما تكون هذه المعركة مقدمة لتحرير هذا الطريق وأحداث أكبر في الشمال السوري.(2)
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال