لم توفر حكومة الولايات المتحدة أي جهد في طريق دعم الكيان الإسرائيلي على مدار العام الماضي، وحتى عندما اتخذت مواقف إنسانية فإنها لم تتوقف عن تقديم الدعم العسكري والتسليحي لهم. إن هذا التوجه الأمريكي يدل على اتحاد عميق واستراتيجي مع النظام الصهيوني مما يتطلب النظر في هذه العلاقة والحذر منها.
الدعم المطلق!
تعتبر حكومة الولايات المتحدة نفسها دائماً ملتزمة بدعم إسرائيل ولقد أكدت في جميع الظروف والمناسبات أنها ستقف دائماً بجانب حليفها الرئيسي في جنوب غرب آسيا. في الحقيقة إن دوافع هذا السلوك الأمريكي متعددة مثل قوة اللوبي الصهيوني في أمريكا أو قوته الإعلامية التي يمكن أن تشكل تحديات لقيادة الولايات المتحدة. ولذا تسعى حكومة الولايات المتحدة لأن تكون الداعم الرئيسي للنظام الإسرائيلي؛ لأنهم يرون أن هذا الدعم هو واجب على حكومتهم، بالإضافة إلى أن وجود النظام الصهيوني يعد أداة ضغط مهمة لأمريكا في المنطقة وبالتالي تحتاج الولايات المتحدة بغض النظر عن القضايا السياسية وكسب اللوبي الصهيوني، إلى ممثل قوي وموثوق في المنطقة وقد منحت هذا الدور لنظام إسرائيل.
إن دعم الولايات المتحدة وصل إلى درجة أن قادة هذا النظام يقومون بدون أي خوف بأعنف الجرائم التي يمكن أن يقوم بها قائد منهم ضد الشعب الفلسطيني بدون أن يكون لديهم أي رادع من عواقب تلك القرارات. وتشير هذه الخطوات الداعمة السياسية والدبلوماسية إلى نية الولايات المتحدة للدخول بموضوع أكبر من الحرب الإقليمية ويتوجب عليها الانتصار فيها. في الواقع يبدو أن قادة الولايات المتحدة قد غيّروا استراتيجيتهم بشأن التطورات الإقليمية في جنوب غرب آسيا.
العودة إلى الماضي؟
بعد فشلها في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي صاحبته هزيمة النظام الإسرائيلي في حرب عام 2006، غيّرت حكومة الولايات المتحدة من نهجها تجاه المنطقة واتجهت نحو إدارة الأمور عن بُعد. فكانت هذه الإجراءات نتيجة تعريفهم لمشكلة أكبر وهي احتواء الصين.
لقد أصبحت سياسة احتواء الصين خلال أكثر من عقد من الزمن الاستراتيجية الرئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية. وبذلت الحكومة الأمريكية خلال تلك السنوات جهودًا لاستقطاب حلفائها لدعم هذا الهدف. وفي هذا السياق اتبعت الولايات المتحدة استراتيجيات مختلفة، كزيادة الرسوم الجمركية على العقود التجارية بين البلدين ومحاولة إقناع حلفائها بتبني هذه الإجراءات. بالإضافة إلى ذلك كانت أمريكا تسعى لإلغاء العقود التجارية والبرامج طويلة الأجل مع حلفائها واستخدمت جميع أوراق الضغط المتاحة لتحقيق ذلك.
بجانب هذه الإجراءات، يبدو أن الولايات المتحدة قد أعادت النظر في استراتيجيتها مجددًا. بعد 7 أكتوبر 2023، وتعتزم تقوية نفوذها وموقعها في منطقة جنوب غرب آسيا. في الواقع يبدو أن استراتيجية احتواء الصين قد أصبحت أكثر تنوعًا وحداثة كما زادت أدوات الولايات المتحدة لتحقيق هذه السياسة. وبالتالي تسعى حكومة الولايات المتحدة تحت ذريعة دعم نظام إسرائيل إلى العودة إلى المنطقة وتعزيز موقعها الاستراتيجي، بهدف دعم حلفائها وتحقيق أهدافها طويلة المدى. ولذلك يبدو أنهم يفكرون في العودة بشكل أكثر جدية إلى المنطقة.
يجب احتواء الصين بأي ثمن!
لطالما سعت الولايات المتحدة إلى أن تُعرف كقوة عسكرية واقتصادية مطلقة في العالم. لقد بذلوا جهدًا كبيرًا في هذا الاتجاه، ولم يترددوا في اتخاذ أي خطوات ضرورية في هذا السبيل، وتسعى هذه الإجراءات الحكومية إلى استعادة القوة للولايات المتحدة والحفاظ على تأثيرها الدولي. إنهم يشعرون بالقلق من أن يفقدوا مكانتهم كقوة عظمى أو أن تظهر قوة عظمى أخرى بجوارهم ولهذا السبب يسعون إلى احتواء الصين.
تتمتع سياسة احتواء الصين بأدوات اقتصادية سياسية وحقوقية وعسكرية متنوعة. وقد استخدمت الولايات المتحدة تقريبًا جميع هذه الأدوات إلا أنه يبدو أنهم لا يشعرون بالرضا التام عن النتائج الحاصلة. لذلك يبحثون عن أدوات إضافية. وهذه المرة يسعون للتحكم في مسار تجارة الطاقة ومبادرة "الحزام والطريق" الجديدة التي أطلقتها الصين. في هذا السياق ستعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري والسياسي في جنوب غرب آسيا، وتتابع سياساتها الكبرى تحت ذريعة دعم نظام إسرائيل. في هذه السياسات يجب إضعاف محور المقاومة وضرورة تدمير جزء كبير من المنطقة وبنيتها التحتية الاتصالية كي لا تتمكن الصين من توسيع مسارها التجاري.
بالفعل وجدت الولايات المتحدة تحت ذريعة الأمن الإقليمي ودعم حلفائها، وسيلة لزيادة وجودها العسكري مما يتيح لها إقناع الرأي العام بأن هذا الأمر ضروري لأمن الناس.
لذلك يبدو أن الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة لاحتواء الصين تعتمد على تطورات منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا. وإذا استمرت الصين في تبني موقف سلبي تجاه هذه المعركة، فقد يفشل هذا البلد في تحقيق أهدافه الطويلة الأمد، بينما تتمكن الولايات المتحدة من احتواء الصين مما يجعلها تصرّ على أنها لا تزال القوة العظمى الوحيدة في العالم. لذا يبدو أنه يتعين على الصين أن تلعب دورًا نشطًا في هذه المعركة، وأن تُظهر دورها كقوة كبيرة مؤثرة من خلال تقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي. لأن نتيجة حرب 7 أكتوبر قد تحدد مستقبل المنطقة وربما حتى النظام الدولي بأسره.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال