بعد بن غوريون أصبح القادة الإسرائيليون يعتقدون أنهم بحاجة إلى الطاقة النووية لإيجاد الردع حيث يعتقد العديد من الخبراء والمحللين أن إسرائيل لديها البرنامج النووي الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط، وقد اتخذت إسرائيل موقفًا غامضًا بشأن قدرتها النووية وتنتهج سياسة الغموض النووي البطيء بحيث لا تؤكد امتلاكها لأسلحة نووية وبنفس الوقت لا تنكر ذلك والملاحظ إن هذه السياسة عادت بفوائدها على إسرائيل ، وأهم أسباب استمرار الغموض النووي في السياسة الإسرائيلية هي:
خلق ردع ضد التهديدات التي تهدد أمن إسرائيل ومصالحها واستمرار المساعدات الأمريكية لإسرائيل ويعتقد القادة الإسرائيليون أن الغموض الحالي ضروري لأمن إسرائيل، ويرى العديد من الخبراء الإسرائيليين أنه لا توجد سياسة بديلة للغموض النووي. هذا وقد كان الغموض دائمًا جزءًا من العقيدة النووية للنظام الصهيوني.
تقوم العقيدة العسكرية للنظام الإسرائيلي على تغطية العجز الإقليمي في موارد الطاقة والاحتياطيات المالية بتفوق عسكري نوعي. هذا النقص العددي دفع هذا النظام إلى السعي لمنع اندلاع الحرب في أرض فلسطين وبالطبع تقصير زمن أي حرب محتملة، وأي انتشار للأسلحة المتطورة سيقوض التفوق النوعي للنظام الصهيوني. من وجهة نظر النظام الصهيوني، يتشكل الاستقرار الاستراتيجي الإقليمي عندما يكون هذا النظام هو القوة النووية الوحيدة في المنطقة ، وقد أكد النظام الصهيوني مرارًا أنه ليس الجهة الأولى في المنطقة التي تكشف عن أسلحتها النووية ، و بالطبع لن تكون الثانية أيضًا. ويظهر هجوم إسرائيل على المفاعل النووي العراقي في يونيو 1981 والمنشآت النووية السورية في سبتمبر 2007 أن هذا النظام لا يريد أن تصبح أي دولة في المنطقة قوة نووية. وكشف إيهود باراك في مقابلة تلفزيونية مع شبكة صهيونية أن هذا النظام قد أوجد خططاً لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية 3 مرات بين عامي 2009 و 2012 ولكن بسبب الافتقار إلى الإمكانيات التشغيلية لمثل هذا الهجوم أو الخلاف حول عملية العمل لم يتم تنفيذ العملية.
منذ عام 2009 غيرت إسرائيل استراتيجيتها تجاه إيران، وقبل ذلك اعتمدت استراتيجية هذا النظام على عمليات استخباراتية سرية لتعطيل عملية برنامج إيران النووي. لكن بعد أن فشل في منع إيران من الوصول إلى العتبة النووية، أضاف جوانب دبلوماسية وعسكرية إلى استراتيجيته. فبدلاً من وضع سياسة ردع لكل بلد يضع هذا النظام “ردعًا عالميًا مصممًا” وجاهزا لكل الدول. في هذا الردع المصمم ضد أي دولة هناك مزيج من الإجراءات العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية وبالطبع قد يكون التعاون الاستخباراتي السري بين النظام الصهيوني ودول المنطقة ناجحًا. لكن سرية هذه التعاونات تقلل من ردعها. لذلك لا يمكن للنظام الصهيوني التعاون مع الدول العربية للحفاظ على الردع. ما لم يتم الكشف عن هذه التعاونات النووية. بطبيعة الحال فإن إقامة نظام “عدم الانتشار” هو من المصالح الوطنية للنظام الصهيوني أي على الرغم من التعاون المتعدد للنظام مع دول الخليج العربية فإن تحويلها إلى أسلحة نووية هو ضد الأمن القومي للنظام الصهيوني. المحللون الصهاينة قلقون من أن السعودية ستتجه نحو الاكتفاء الذاتي في الردع النووي على المدى الطويل. لأنه لا يمكن التأكد من أن السلاح النووي السعودي المحتمل لن يستخدم ضد النظام الصهيوني أو إنه لن يقع في أيدي النظام السعودي القادم في المستقبل. في لقائه مع ترامب في مارس 2018 طالب نتنياهو بأن يشترط في أي عقد لبناء محطة للطاقة النووية في السعودية أن يشمل حظر التخصيب داخل السعودية. لذلك لا يمكن لآلية التعاون النووي المحتملة أن تزيل العامل المقيِّد “للردع الكلي والسياسات النووية للنظام الصهيوني ؛ لذا فإما أن هذه الآلية لن تكون ممكنة أو يجب أن تتماشى مع هذا العامل المحدد. ومن ناحية أخرى فإن القرارات العليا السياسية مثل السياسة النووية في الدول العربية في الخليج الفارسي عادة ما يتم تشكيلها في دوائر صغيرة للأمن السياسي ومقربة من الحكام، ولكن في النظام الصهيوني تبدو دوائر صنع القرار أكثر وسعة بسبب وجود عمليات سياسية وحزبية ضمن النظام. لهذا فإن الإجراءات السياسية لحكومات الكيان الصهيوني تكون أكثر عرضة للنقد وللتحقيقات الداخلية ولهذا السبب يتم التحقق باستمرار من توافق هذه الإجراءات مع السياسات العليا لهذا النظام، حيث قيل إن السياسة العليا للنظام الصهيوني حول الردع لا تتوافق مع التسلح النووي لأي حكومة في الغرب آسيا. لذلك حتى لو كانت حكومات الكيان الصهيوني لا تعارض التسلح النووي للدول العربية بسبب الميول السياسية الخاصة للقادة أو الظروف الإقليمية الخاصة فإن المعارضين الداخليين للحكومات لديهم القوة الكافية لمواجهة هذا التوجه. لذا فإن هذا العامل المحدد سيكون بمثابة داعم للعامل المحدد الثاني ولن يتم حله إلا عندما تتمكن الآلية المحتملة للتعاون النووي من تنسيق نفسها مع العامل المحدد الثاني. طبعا يجب ألا ننسى أن معظم دول غرب آسيا ليس لديها القدرة على بناء محطات للطاقة النووية على المدى القصير وتقدر تكلفة بناء كل مفاعل نووي بحوالي 4 إلى 10 مليارات دولار. من ناحية أخرى أدى حادث مفاعل فوكوشيما للطاقة النووية بسبب تسونامي عام 2011 في اليابان إلى تردد دول مثل البحرين ومصر والكويت وسلطنة عمان في تطوير برنامجها النووي لأنهم كانوا قلقين من أن يؤدي مثل هذا الحدث الطبيعي إلى كارثة أكبر في بلدانهم التي تتخلف عن اليابان من حيث المعرفة الاقتصادية والتكنولوجيا. لكن دولتي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لديهما بالتأكيد القدرة الاقتصادية على النهوض بالصناعة النووية المحلية، وليس بعيدًا عن العقل أنهما سيحصلان أيضًا على التكنولوجيا النووية إذا تمكنت هاتان الدولتان من إكمال الدورة النووية الأصلية أي التغلب على التحديات الاقتصادية والتكنولوجية وإرضاء أمريكا للتخصيب المحلي ، يبدو أن قضية التعاون النووي مع النظام الصهيوني ستكون بلا نتيجة، بمعنى آخر إذا حدث التخصيب المحلي في هذه البلدان فإن هذه القوة المحلية ستكون عاملاً مقيدًا للآلية المحتملة للتعاون النووي مع إسرائيل، كما أن الفارق الأساسي بين إيران ودول الخليج العربية هو معارضة إيران لوجود القوات الأجنبية في المنطقة. إذا تمكنت إيران من الحصول على سلاح نووي فسيكون نفوذ أمريكا الإقليمي أضعف من ذي قبل. إن هذه النقطة إلى جانب إمكانية تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة ستجعل الدول العربية والنظام الصهيوني خائفين من تحول ميزان القوى في المنطقة، من ناحية أخرى لطالما كان لفكرة المظلة الأمنية للقوة الأجنبية نقطتي ضعف نظريتين وهما الخوف الأمني للمشتري من إلتزام المورد وإصراره على أن التهديد غير حقيقي ولأن السعودية وحتى الصهاينة قد لايثقون بكفاءة نظام المظلة الأمنية الأمريكية لمواجهة تهديد إيران…
لذلك مع تسلح إيران نوويًا سيتجاوز حجم التحول في ميزان القوى تكاليف البرنامج النووي السعودي أو تكاليف إنشاء آلية تعاون نووي مع النظام الصهيوني، وستتجه هذه الدولة نحو التسلح النووي أو التعاون النووي الذي يعتمد على حصول دولة ضعيفة على دعم من حليف نووي قوي. إذا كانت الدولة الضعيفة غير متأكدة من استمرار دعم الحليف النووي أو إذا حددت مصالح بعيدة المدى لا يرغب الحليف النووي في تنفيذها حفاظا على هذه المصالح سوف يتجه هذا البلد إلى بناء الأسلحة النووية أو الحصول عليها بأي شكل.
من ناحية أخرى تعتقد مجموعة من الباحثين أن جيران إيران سيخسرون الكثير من المصالح ولن يكسبوا من خلال التحول إلى الطاقة النووية. حيث الدول التي لاتشعر بخطر كبير لاتتجه لصناعة وامتلاك الأسلحة النووية، لأن التحرك نحو الأسلحة غير التقليدية يفاقم وضع البيئة المحيطة بها. فالحكومة لن تتجه نحو صنع أسلحة نووية إلا عندما تكون تكلفة الحصول عليها أقل تكلفة في الظروف التي تهدد وجودها. من أجل الحكم على هذين الرأيين يجب ملاحظة نقطة مهمة ؛ وهي أن يكون إدراك الأطراف للتوازن الإقليمي أهم من كيفية توازن القوى في المنطقة فعلياً. لذلك حتى لو لم تشكل إيران بالفعل تهديدًا حيويًا للدول العربية وهذا يعني إن التكاليف النووية للدول العربية هي في الحقيقة أكبر بكثير من مجرد تغيير في موازين القوى، فليس من الضروري تحويل هذه الدول إلى دول ذات أسلحة نووية، يعتقد المتشددون في دول الخليج العربي أن تهديد إيران أمر حيوي وفعلي وكلمات كبار السياسيين السعوديين في أماكن وأزمنة مختلفة عن التحرك نحو التسلح النووي تعطي هذا التصور.
مجید حیدري باحث في الشؤون الدولية
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال