يمتازالإمام الحسين (ع) بشخصية مثالية لم يفتن بها مذهب خاص أو جماعة خاصة فحسب، ولكن عظمة ثورته وتضحياته علّمت التاريخ درسًا جعل الأديان الأخرى ألا تكون غير مبالية بواقعة عاشوراء. إن ثورة الإمام الحسين (ع) كانت الثورة ضد المستكبرين، وثار الإمام على الظلم نيابة عن جميع مظلومي العالم. ونحن على العلم بأن الحسين عليه السلام لم يكن ينتمي إلى قومية أو ديانة معينة، كما خاض الشاب النصراني ” وهب”، الحرب يوم عاشوراء لمساعدة الإمام واشتهر ببطولته يومها، وكذلك الآن، نرى أن الأديان المختلفة، وخاصة المسيحيين، كانوا دائمًا معجبين بشخصية سيد الشهداء وأصحابه الأخيار.
ومن النظريات التي زادت من حب المسيحيين للإمام الحسين (ع) أنهم يعتقدون أن الإمام فعل للمسلمين نفس ما فعله المسيح للمسيحيين. لهذا السبب، وبناءً على نظرية التضحية، يحاولون إقامة احتفالات خاصة بعاشوراء. وحسب معتقداتهم، فقد ضحى الإمام الحسين (ع) بحياته من أجل نجاة المسلمين كما ضحى السيد المسيح بحياته لإنقاذ المسيحيين. بمعنى آخر، یرون أن الحسين واصل طريق عيسى بن مريم تماما.
إن إعجاب المسيحيين بالحسين (ع) وحبهم النابع من صميم قلوبهم تجاهه أدّيا إلى مشاركتهم في إحياء ذكرى عاشوراء على قدم المساواة مع المسلمین، إذ نلاحظ في أيام العزاء، یقوم المسيحیون المحبون لسيد الشهداء بالحداد علی الإمام، وهذا بالإضافة إلى توزيع أكلات الطعام ودفع النذورات وإقامة التكايا في أحيائهم. لكن أكثر من أي مكان آخر، يمكن للمرء أن يشهد حب المسيحيين لحضرة أبا عبد الله حسين أثناء تجمعات الأربعين الحاشدة؛ ومن المشي جنبًا إلى جنب الزوار الآخرين إلى إقامة المواكب وخدمة الإمام الحسين (ع)، كلها أحداث لا تحصل ببساطة، إلا إذا كانت عندك نية قلبية وأنت تبغي زيارة مرقد الحسين (ع).
إن المعجبين من الديانة المسيحية بدين السيد الشهداء (ع) لا يعبرون عن حبهم تجاه الحسين (ع ) فقط من خلال المشاركة وإقامة طقوس الحداد، ولكن أيضًا العديد من العلماء انكبوا على دراسة حياة الإمام والبحث عنها فضلا عن اهتمامهم بنشر تعاليمه وتسلیط الضوء على أحداث كربلاء وتنوير الرأي العام حولها. ويُعد أنطون بارا واحدا من مفكري المسيحية المثقفين، الذي عالج سيرتي الإمام الحسين (ع) وزينب الكبرى سلام الله علیها معالجة عمیقة وانبهر بمنهجيتهما ودورهما البناءة في واقعة عاشوراء. وأنطوان بارا من خلال دراسة أعمال ومخطوطات لا تُحصى من كتب المذاهب الإسلامية والأديان الإبراهيمية والمستشرقين الغربيين، نجح أخيرًا في إكمال كتابه الثمين «زینب.. صرخة أکملت مسیرة» بعد 25 عامًا من انكبابه على البحث والدراسة. وألّف بارا هذا العمل الأدبي الثمین وأدخل فيه مفردات ومصطلحات تتناسب أحداث ذلك الوقت، وتُرجم الكتاب إلى اللغة الفارسية ونُشر تحت عنوان «زینب فریاد فرمند».
وفضلا عن أنطوان بارا، قطع عشرات من المفكرين المسيحيين خطوات كبيرة في الحوار بين الإسلام والمسيحية. وخصوصا في العالم العربي بدأ تضافر فعال بهذا الشأن، کما حضوره في جميع مجالس العزاء ينم عن حبه لسيد الشهداء، مما يعني ليس مجرد حب نظري، بل حب عملي يتجسد في الواقع.
المصدر ؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال