لا يزال كيان الاحتلال الاسرائيلي يعيش حالة من الخوف من الزوال ودائما ما يؤكد قادة الاحتلال ومؤرخوه انهم ذاهبون نحو الزوال الحتمي، مثلا وزير حرب الاحتلال بيني غانتس، سبق وعبر عن مخاوفه الوجودية على مستقبل إسرائيل، وقال إنّ هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل القريب، وإن الدولة اليهودية ستتقلص خلال السنوات المقبلة لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة، وذلك الى جانب مقال رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك، الذي شغل أيضاً مناصب عليا، بينها رئاسة الأركان في جيش الاحتلال، يثير فيه قلقاً كبيراً مما سماها لعنة العقد الثامن التي عاشتها الممالك اليهودية السابقة، وقد تطيح بدولة الاحتلال خلال السنوات القريبة.
وحول هذا السياق، أشارت صحيفة، زود دويتشه تسايتونج، الألمانية، في معرض استعراضها لتطورات الأشهر القليلة الماضية بالتوازي مع تشكيل حكومة نتنياهو، إلى أن مئات الآلاف من الناس نزلوا إلى شوارع إسرائيل منذ أسابيع للتظاهر ضد الإصلاحات القضائية المزمعة لحكومة نتنياهو. ويبدو أن خطط حكومة نتنياهو لا يمكن أن تشكل تهديدًا للديمقراطية في إسرائيل فحسب، بل تعرض الأمن الداخلي لإسرائيل والمنطقة للخطر أيضًا.
وفي الآونة الأخيرة، قال بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وعضو حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، "إن وجود الفلسطينيين على الساحة الدولية؛ لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني". ولم تغب هذه التصريحات عن عيون الدول العربية المجاورة وسرعان ما تم استدعاء السفير الإسرائيلي في عمان وطالب البرلمان الأردني بطرده.
وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية توصلت مؤخرًا إلى اتفاق مع ممثلين إسرائيليين في مصر بشأن خفض التصعيد، إلا أن حماس وفصائل فلسطينية أخرى انتقدت حضور الاجتماع. كما التقى حزب الله اللبناني قبل أيام مع ممثلين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. وهذا هو الخطر الذي حذر منه وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت مؤخرًا. وقال "إن أعداء إسرائيل يمكنهم استغلال الوضع في إسرائيل". ويمثل الخلاف المرير حول التغييرات القضائية تهديدًا وشيكًا وحقيقيًا لأمن إسرائيل. تهديداً يمكن أن يشكك بجدية في وجود إسرائيل ويسبب انهيارها.
إن المشاكل ليست ناجمة فقط عن الجماعات المسلحة التي مارست ضغوطا على نتنياهو وحكومته. لقد بذلت إسرائيل قصارى جهدها لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقات إبراهيم ومعاهدات السلام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب لتشكيل تحالف مناهض لإيران. لكن حكومة الإمارات العربية المتحدة حذرت الآن من أن موقف إسرائيل الاستفزازي تجاه الفلسطينيين أدى مرة أخرى إلى توتر العلاقات.
كما أن التقارب بين السعودية وإيران يُظهر مدى تغير الوضع في المنطقة. وسعى نتنياهو لضم الرياض إلى اتفاقات إبراهيم، لكن عندما اقتربت المملكة العربية السعودية وإيران من استئناف العلاقات الدبلوماسية بوساطة الصين قبل بضعة أسابيع، اعتبر العديد من النقاد أن ذلك يمثل فشلًا لسياسة إسرائيل الخارجية. إن الجو في اسرائيل ملتهب وبعد أيام قليلة من إلغاء الكنيست (البرلمان) لقانون لتشجيع بناء المستوطنات، وقعت حوادث إطلاق نار في مدينة هوفارة للمرة الثالثة في الأسابيع القليلة الماضية. كانت التطورات الأمنية التي حدثت الأسبوع الماضي في غزة وجنوب لبنان في ذروة التوتر. وهذا التوتر الذي كان سيحدث تحولا عميقا ويقود حكومة نتنياهو إلى تحد خطير وربما يسقط. ولقد هدأ الوضع في الوقت الحالي، لكن لا يزال هناك احتمال لاندلاع توتر حاد.
إن هواجس الزوال والدمار لا تزال تلاحق كيان الاحتلال الاسرائيلي ومفكريه، وكان اخرهم البروفيسور دانيال كانمان الباحث الإسرائيلي والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي اكد انه قلق من زوال كيان الاحتلال أكثر مما كان خلال حرب عام 1973. حيث اشار الى انه يخاف من الانقلاب القضائي، في إشارة إلى خطة تدفعها حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة لتنفيذ إصلاحات على نظام القضاء، والتي أدت بالفعل إلى تحذير من محافظ بنك إسرائيل، وأثارت احتجاجا في عالم التكنولوجيا الفائقة هاي تيك وزادت كذلك من مستوى القلق بين وكالات التصنيف الائتماني الدولية.
وقال كانمان انه بالنسبة له ان ما يحصل هو نهاية إسرائيل كما كان يعرفها. واضاف انه عندما تتوغل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، فإنها تديم حكم أي حزب وهذه نهاية الديمقراطية بلا شك. ولفت الى ان كيان الاحتلال ينضم بهذا الامر إلى المجر وبولندا وهي دول الديكتاتوريات التي تتظاهر بأنها ديمقراطية. وتبدأ العملية بإلغاء النظام القضائي كنظام مستقل وتستمر مع الصحافة والحرية الفردية. البروفيسور الصهيوني قال ان النظام الديمقراطي، يجعل النظام القضائي مستقلا وله الكلمة الأخيرة في تفسير القانون. وليست أغلبية 61 مقابل 54 في الكنيست اي ليست الأغلبية هي من تحسم.
مع مرور 74 عامًا على احتلال المحتلين الصهيونيين لفلسطين، لا يزال النظام الإسرائيلي الوهمي يعاني من مشاكل عميقة، جعلت هذا النظام غير قادر على تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي حددها لنفسه، على الرغم من استقباله لدعم جهات أجنبية مختلفة، وخاصة من الولايات المتحدة. لقد تآكل التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة بشكل كامل في المرحلة الحالية، وفي ظل الوضع الذي يمتلئ فيه الفضاء الداخلي لفلسطين المحتلة بالالتهاب والقلق للصهاينة، فإن البيئة الإقليمية ليست آمنة للمحتلين، وهم حاليا غير آمنين. وليس لهم شرعية على المستوى الدولي، وقد أنفق النظام المحتل الكثير من الأموال والجهود لتهويد فلسطين، لكن الشعب العربي في هذه الأرض لم يتوقف عن المطالبة بحقوقه ومقاومته تتجلى في أشكال وأبعاد أوسع كل يوم.
وبدراسة أهم المكونات والأهداف الاستراتيجية للنظام الصهيوني منذ بداية احتلاله لفلسطين حتى الآن، نلاحظ الكثير من التناقضات والضعف، وخاصة في الأبعاد السياسية والاجتماعية والديمغرافية، على الرغم من وجود منشآت عسكرية عالية، ما عرّض هذا النظام لمخاطر وجودية. وكان إنشاء "دولة كبيرة بهوية يهودية موحدة وقوة إقليمية عظمى مهيمنة في الشرق الأوسط" الهدف الاستراتيجي الأول للنظام الإسرائيلي المزيف منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية، وعلى الرغم من العديد من الإجراءات، لم يكن نظام الاحتلال قادرًا على إنشاء حدود لنفسه، كما أن مشكلة السكان هي مشكلة كبيرة لهذا النظام.
إن تدهور وضع الصهاينة هذا مرات عديدة منذ عام 2000، حاصر النظام الإسرائيلي جغرافيا، ما جعله غير قادر على احتلال أراض جديدة في إطار هدفه المتمثل في إقامة "إسرائيل الكبرى". كما لم يستطع هذا النظام التخلص من أكثر من 4 ملايين فلسطيني عربي وهؤلاء السكان تزداد قوتهم ومقاومتهم كل يوم وعلى الرغم من توقيع العديد من اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية والنظام الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة، إلا أن هذا النظام لم يسر على طريق تحقيق حلمه بالسيطرة على المنطقة.
إن الاعتراف بانهيار الكيان الصهيوني وإبداء العديد من التعليقات في هذا الصدد هو موضوع يناقش على نطاق واسع من قبل الخبراء والمؤرخين ووسائل الإعلام الإسرائيلية. حيث قال راني دانيال، المحلل العسكري الصهيوني المتطرف المقرب من قادة الجيش الإسرائيلي: "لست متأكداً من أن أطفالي لديهم مستقبل في إسرائيل، ولا أعتقد أنهم سيبقون هنا". كما يعترف بني موريس، المؤرخ الصهيوني البارز، أنه بعد سنوات، سينتصر العرب والمسلمون في نهاية المطاف، وسيظل اليهود أقلية، أو يتعرضون للاضطهاد أو القتل، وفي هذه الأثناء، يمكن لليهود المحظوظين فقط الفرار إلى أوروبا و أمريكا. ويقول جدعون لوفي المحلل الصهيوني، في اليوم الثالث من معركة سيف القدس في مايو من العام الماضي عندما طوقت صواريخ المقاومة الفلسطينية الأراضي المحتلة من جميع الجهات، قال: "على الإسرائيليين أن يذهبوا إلى أوروبا وعلى الأوروبيين أن يقبلوهم لاجئين، أعتقد أن هذا أفضل بكثير من أكلنا أحياء"
في النهاية، مهما فعل الإسرائيليون لن ينجحوا في إيقاف تفكك كيانهم اللقيط ودولة احتلالها الفاشية، حيث إنّ سرطان النهاية الذي تعاني منه "إسرائيل" قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علمنا أنّ "الاحتلال" زائل مهما بلغت قوته وجبروته، وها نحن اليوم نذكر أيام المحتل العثمانيّ الذي جثم على قلوب أجدادنا مئات السنين، وخاصة إذا ما حدثت حرب متعددة الجبهات ضد خمس ساحات في نفس الوقت: لبنان، سوريّة، غزة، اشتعال الضفة الغربية، واندلاع أعمال “الشغب” في الداخل الفلسطينيّ، أيْ مناطق الـ 48.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال