بعد استشهاد يحيى السنوار اعتبرت وسائل الإعلام الغربية ذلك انتصارًا كبيرًا وفرصةً حاسمةً لحل النزاع في غزة واستئناف المفاوضات بهدف ضمان وقف إطلاق النار وتحرير الأسرى الإسرائيليين. كانوا يرون سنوار عقبةً كبيرةً أمام السلام، والآن يعتقدون أن غزة أصبحت تعاني من فراغٍ في السلطة بغياب القائد السنوار. لكن الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يُستشهد فيها أحد قادة حماس والأهم من ذلك أن تركيبة حماس تجعل من قادتها ومؤسساتها ملتزمين بأسسٍ تضمن استمرار المبادئ والنهج حتى مع غياب أحد قاداتهم.
لقد تم اعتماد النظام الأساسي الأول لحركة حماس في عام 1988 حيث أكد على أن جذور تأسيسها تعود إلى أربعينيات القرن الماضي، وشدد على ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين واعتبرها أحد فروعها. ولكن قبل سبع سنوات سعت حركة حماس إلى توفير الظروف اللازمة للتفاعل مع وجهات النظر العالمية والإقليمية حيال الحل السياسي للقضية الفلسطينية، مما أدى إلى إدخال تغييرات على نظامها الأساسي. أولاً، تم إخراج اليهود من دائرة العداء والمقاومة لحماس وحل محل ذلك النضال ضد "الصهيونية" و"الاحتلال الصهيوني"؛ ثانيًا، سعت حماس إلى إعادة النظر في علاقاتها الأساسية مع الإخوان المسلمين والتخلص من الإشارة إلى جذورها التي تعود إلى هذه الحركة.
المواقف والرؤى الأساسية لحركة حماس:
1. لم تتنازل حماس عن أي جزء من أرض فلسطين (دون النظر إلى مدى استمرار الاحتلال، وترفض حماس أي بديل آخر عن تحرير فلسطين كاملة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن).
2. لا تعترف حماس بإسرائيل ولا تتنازل عن أي حق من حقوق الفلسطينيين.
3. تخطط حماس لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بناءً على حدود عام 1967 (بدلاً من 1948)، وتعتبر حق العودة للاجئين الفلسطينيين والمشردين اتفاقًا وطنيًا مشتركًا.
4. ورغم أن العودة إلى حدود 1967 لم يُذكر في النظام الأساسي لعام 1988 (والذي يشمل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب الأيام الستة عام 1967)، فقد تم ذكرها بطرق مختلفة على لسان بعض قادة حماس، بما في ذلك الشيخ أحمد ياسين، وتم تأكيدها في ميثاق الوفاق الوطني عام 2006، لذا فهي ليست مسألة جديدة بل تُعتبر العودة إلى حدود 1967خريطة طريق مرحلية وتوافقية، دون إضفاء أي شرعية على احتلال أراضٍ فلسطينية أخرى.[1]
تظل هذه المبادئ الأساسية متفقًا عليها من قبل قادة حماس في كلا الجناحين العسكري والسياسي، وقد عملوا بموجبها.
بعد استشهاد إسماعيل هنية وانتخاب يحيى سنوار بالإجماع لخلافته، أكد المحللون السياسيون أن انتخاب سنوار يُرسل رسالة إلى حكومة إسرائيل بأن نهج حماس لا يتزعزع وسيستمر في المقاومة. فقد عُرف يحيى السنوار بأنه صلب في المسائل العسكرية ويتمسك بمبادئه ويمتاز بالواقعية السياسية. كان يعتبر القوة الميدانية لحماس ضرورية لتعزيز مكانتها السياسية والتفاوضية، لذا فإن انتخابه بعد إسماعيل هنية يمثل أهمية إحياء الهيكل العسكري وإعادة بناء الكوادر البشرية لحماس في ميدان النضال. في الواقع كانت حماس بحاجة إلى إعادة بناء جناحها العسكري كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها لتأمين أهدافها وأدواتها في المفاوضات مع حكومة إسرائيل، التي لا يمكن مواجهتها إلا من موقع القوة وقد استطاع السنوار تحقيق هذا الهدف خلال فترة ولايته لذا يبدو أنه بعد السنوار ستستمر حركة حماس في اتباع نهجها السابق.[2]
بشكل عام يمكن القول إن شهادة يحيى السنوار وفقًا للصورة التي نُشرت عن اللحظات الأخيرة من حياته التي عرضتها حكومة الاحتلال الصهيوني، تُظهر أن قادة حماس ملتزمون بقضيتهم حتى آخر لحظة من حياتهم في ساحة المعركة من أجل النصر لفلسطين. وقد عكست الصورة الأخيرة للدقائق الأخيرة من حياة يحيى السنوار بطلاً خارقًا يحمل رسائل من العزة والشجاعة والثبات. إن رسالة شهادته هي أن مقاومة حماس حيّة وستظل كذلك للأبد.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال