شيخ الصبر عبَر.. 57

شيخ الصبر عبَر..

من فرط الألم يكاد المرء يعاتبهم إن هم مضوا، ويغبطهم. يرى فيهم تفوّقهم الحاني على عينيه وهما تنظران ارتقاءهم نحو العلا شهداء، مهما اختلف شكل ميدان المعركة، والأسر أقسى الميادين.

خاض الشيخ خضر عدنان معركته، وانتصر. بأمعاء خاوية وروح ما عادت تتسع لفيض الكرامة والحرية الحبيسة في الجسد الأسير، فتحرّر مستشهدًا، ذاهبًا بالقتال إلى أقصاه، حبًّا بأقصاه وأقصانا.

شهيد الفجر، شيخ الصبر، أسد عرابة وابن الكرامة والإبا، نزل الميدان مقاتلًا بالإضراب عن الطعام للمرّة السادسة، وحسم المعركة هذا اليوم شهيدًا يستعجل لقاء من سبقوه من الأخوة. يستعجل ضمّة ابراهيم النابلسي وسائر أقمار جنين.

منذ الصباح الباكر، صحت القلوب ها هنا على الخبر. وليس الخبر بصادم، فالشهادة خاتمة من عاشوا شهداء، واقتراب الشيخ خضر من العبور إلى السماء كان مقروءًا في سيماه وفي إصراره. ٤٤ عامًا قضى منها ثمانية في الأسر، اثنا عشر اعتقال يزيده في كلّ مرّة عزم على إيلام العدو، ستة إضرابات عن الطعام كانت تغذي الحركة الأسيرة وترفدها بالعزّة المتراكمة، عمر قضاه مقارعًا الاحتلال من المسافة صفر وتشهد عليه جنين وكلّ فلسطين.

حزّ النبأ القلوب من فلسطين إلى كلّ أرض تنبت أحرارًا وكرامًا. هرع الجميع إلى ما بقي من صوته، من صوره، من وصيّته، من حكايته. بلحظة، صار كلّ تفصيل من كلّ ذلك حكاية كلّ فلسطين، حكاية كلّ شهيد وحكاية الحركة الأسيرة التي صنعت في داخل الأسر ميدان حرب وبوابة عبور نحو النصر ونحو الشهادة.

ابن جنين الذي انتصر اليوم في آخر جولات معركته قرع فجرًا باب السماء وهناك لا بد اجتمع بمن يحبّ ولا سيّما شهداء جنين، أبلغهم واحدًا واحدًا أشواق البلاد ومعهم لا بدّ الآن يقف، ينظر إلى الأرض وقد رأى بعين اليقين زوال الاحتلال الذي أوقن بحتميّته طيلة عمره. يرى معهم فلسطين حرّة ويرى، أثر عبوره فيها ويرى، ممّا يرى، كيف يبدو الجوع الذي استحال سلاحًا يملأ مخازن الأسرى المقاتلين بالطلقات. صوت الوداع والتبريك الصادح من مآذن فلسطين يصله حتمًا. صوت انكسارات القلوب على اتساع المدى الشريف يصله أيضًا. ويصل الأرض من ناحية مجمع شهداء فلسطين صوت من السماء يردّد بنبرة كلّ الشّهداء أن "يقينًا كلّه خير.. كلّه خير!".

ليلى عماشا

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال