صفقة طالبان ودور أميركا في تصنيع الإرهاب 17

صفقة طالبان ودور أميركا في تصنيع الإرهاب

انشغل العالم بقرار الإدارة الأميركية بالانسحاب من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان المصنفة عالمياً حركة إرهابية.
تكاثرت التحليلات حول دوافع أميركا للخروج من أفغانستان، كل يقرأ من زاويته، أفغانستان غرقت تاريخياً في دوامات الحروب، منذ زمن الصراع بين بريطانيا وروسيا على النفوذ في آسيا الوسطى.
انزلق الاتحاد السوفييتي إلى وحول أفغانستان خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث اعتبرت الولايات المتحدة ذلك زحفاً على مناطق نفوذها واستخدمته رصيداً ابتزازياً في نهايات الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي المترهّل عبر استخدام سلاح «الإسلام السياسي»، حيث استقدمت أميركا وحلفاؤها من العرب الخليجيين قوافل «المجاهدين» من دول عديدة، ودربتهم وسلحتهم وصدرتهم إلى أفغانستان للقتال ضد الحكم اليساري الذي دعمته موسكو السوفييتية في كابول.
ظهرت جماعة باشتونية متشدّدة من طلبة معاهد دينية في باكستان تسمى حركة «طالبان».
حكمت طالبان الإرهابية أفغانستان يومها، وما لبث أن ذاق السم صانعه في اعتداءات 11 أيلول 2001، واعتبرت واشنطن «طالبان» شريكاً لتنظيم «القاعدة» المتهم بتنفيذ الهجمات الإرهابية في نيويورك، واتخذت قرارها بغزو أفغانستان واحتلالها وتنصيب بديل معتدل.
الاحتلال الأميركي إضافة إلى حلفائه أمسكوا بأفغانستان طوال 20 عاماً وقُدرت الكلفة البشرية منذ 2001 بـ2442 من العسكريين الأميركيين و1442 من الحلفاء، الكلفة المالية للولايات المتحدة بلغت قرابة 2.26 تريليون دولار أميركي.
واشنطن أعلنت أنها ستركز أولوياتها على الصعود الصيني في شرق آسيا وجنوبها، والتحدي الروسي المتمدد.
في هذا السياق يأتي الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان كصفقة جاءت ثمرة لمحادثات طويلة في الغرف المغلقة طوال أكثر من عام في عواصم عديدة بين واشنطن وطالبان، دخول طالبان إلى القصر الرئاسي من دون طلقة رصاص جاء نتيجة تنسيق وتوافقات مع الأميركيين ومباركتهم، الرئيس السابق دونالد ترامب أبرم اتفاقاً مع حركة طالبان على سحب القوات الأميركية بحلول أيار 2021، لكن الرئيس الحالي جو بايدن أرجأ الموعد لفترة قصيرة.
ادعى بايدن أن أميركا حققت أهدافها في أفغانستان.
وهذه الأهداف في رأيه عدم وقوع هجمات جديدة داخل الأراضي الأميركية مماثلة لهجمات 11 أيلول 2001 ونصح بـ«التعايش» مع «طالبان»، أميركا أعادت حركة طالبان لحكم أفغانستان لتكون أداة تستخدمها في مواجهة الصين وروسيا، وخاصة أن لدى البلدين بيئات قد تكون حاضنة لحركات متطرفة كحركة طالبان وستسعى أميركا لخلق نوعٍ من الفوضى في هذين البلدين العملاقين.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان أحدث تغييراً جيوسياسياً في جنوب آسيا، سيتردد صداه من روسيا إلى الصين وإيران وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى والهند.
وسيكون فاتحة لتغيرات جيوسياسية جديدة تثير قلق دول المنطقة.
في هذا الإطار، ثمة عوامل لا يمكن تجاهلها:
– أفغانستان دولة متاخمة للجمهوريات السوفييتية السابقة التي ما زالت علاقات بعضها وثيقة مع موسكو.
– داخل أفغانستان فسيفساء عرقية- لغوية لها امتدادات مع بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة.
وعودة طالبان ستؤدي إلى إثارة حساسيات أو حروب أهلية.
– لدى أفغانستان عبر قطاع واخان، تماس مع الصين.
– لدى الصين مشاريع طموحة في غرب آسيا وجنوبها ضمن مشروع «الحزام والطريق»، الصين هي اللاعب الرئيسي في المشهد.
أفغانستان أرض المعادن النادرة التي تحتاج إليها الصين في صناعاتها، وستحافظ بكين على «الممر الاقتصادي» الصيني ــ الباكستاني الذي يتضمن مشاريع صينية في باكستان مقدارها 60 مليار دولار.
بالنسبة لباكستان لعبت الاستخبارات العسكرية الباكستانية دوراً في نشأة «طالبان».
تخشى باكستان أن يشجع إعادة «طالبان» لإحياء حركة «تحريك طالبان» الباكستانية على استئناف هجماتها ضد الجيش الباكستاني.
طالبان بإيدولوجيتها المتطرفة تسيطر على أفغانستان بمباركة أميركية وستستخدم وسائلها الوحشية لإرعاب الناس.
مسلحوها لا يترددون في ذبح من يخالفهم علناً في الشوارع، وقد يحرقون وجوه بعض الفتيات حتى يجبروا نساء أفغانستان على ارتداء النقاب.
سيفسر أنصار حركة طالبان وتنظيمات الإرهاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان ببساطة أن أميركا هزمت وانسحبت ذليلة.
كما احتفلت جبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى في إدلب، بالمقابل من المتوقع استمرار حالة «التحالف» بين تنظيم القاعدة وطالبان رغم ما نص عليه اتفاق الدوحة في شباط 2020 من إلزام طالبان بفك ارتباطها بالقاعدة.
وستغض الولايات المتحدة الطرف عن هذا «التحالف» مادام لن يستهدف المصالح الأميركية وستعود أفغانستان مرة أخرى كملاذ وبؤرة وحاضنة للإرهاب العالمي، وتستمر طالبان باستضافة الجماعات الإرهابية منها ثلاثة آلاف مقاتل من «داعش».
سيطرة طالبان على أفغانستان ستعيد تجارة الأفيون والحشيش وتصدير المخدرات للعالم، ومن المستبعد استعداد طالبان لمشاركة القوى الأخرى في السلطة وهذا سيؤسس لمقاومة ضدها، واستعادة الحرب الأهلية.
كيف سيتمّ التعامل مع الاحتلال الأميركي في العراق وسورية بعد الانسحاب من أفغانستان؟ هذا سؤال برسم القوى الوطنية في البلدين، التي تؤكد عزمها على طرد المحتلّين.
وعلى ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المدعومة من الاحتلال الأميركي أن تتلمس رأسها، البعض يرى أن العجز عن البقاء هزيمة لكن الموضوع ليس بهذا التبسيط، صفقة الانسحاب الأميركي اختصرها الرئيس الأميركي بايدن بقوله أنصح بـ«التعايش» مع «طالبان».
بعض حلفاء أميركا ممن يسمون معتدلين سيشعرون بأنهم مجرد عملاء، لأن أميركا مستعدة للتخلّي عنهم في أي وقت.
أميركا تضحي بعملائها المعتدلين لمصلحة المتطرفين، انسحاب أميركا من أفغانستان كصفقة مع حركة «طالبان» محاولة لتوظيفها ضدّ دول كالصين وروسيا.
لتتحوّل حركة طالبان، إلى وكيل محلّي لواشنطن تخوض لحسابها حروباً ضدّ دول الجوار. لم نرَ بعد نهاية الحدث، فله صيرورة قد تطول، لكن ذلك يؤكد دور أميركا في تصنيع الإرهاب العالمي.

 المصدر: الوطن

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال