ضربة أربيل والحساب المفتوح مع “الكيان المؤقت” 20

ضربة أربيل والحساب المفتوح مع “الكيان المؤقت”

في الوقت الذي كان يعبث فيه ابن سلمان بأقدس أقداس الخالق، وهي النفس البشرية، ويرسم المعادلات لضمان عرشٍ آمن لخمسين عاماً قادمة، عبر ممارسة القتل برعونة الجاهل الآمن، كانت الجمهورية الإسلامية في إيران، ترسم معادلات تتخطى مجرد إقامة توازن ردعٍ، مع الولايات المتحدة والكيان المؤقت في فلسطين المحتلة، وشتان ما بين من يرنو لمصير أممٍ وبين من ينظر تحت أنفه.

وهذا التزامن ينطبق على مكانٍ آخر، وإن اختلفت فحواه، ففي الوقت الذي كان الكيان المؤقت ينتظر رداً إيرانياً، على استشهاد ضابطين إيرانيين في غارةٍ صهيونية على سوريا، ويعيش حالةً من الاستنفار والترقب، على حدود فلسطين المحتلة مع سوريا، جاء الرد الإيراني في العراق، وهو ليس الرد على الغارة في سوريا، أي أنّ ذاك حسابٌ لا يزال مفتوحاً.

وبغض النظر عن النتائج العملياتية للقصف، إن كان لحجم الدمار أو عدد القتلى والجرحى، فإنّ إيران أرسلت رسائل متعددة في اتجاهاتٍ مترامية، وفي غالبها رسائل مباشرة، وبعضها رسائل مبطنة، وأولها رسالة للكيان الصامت حتى اللحظة، عن استهداف أحد مقراته الخارجية، ومفادها أنّ اليد الإيرانية قادرة على البطش في كل مكانٍ وأيّ زمان، وأنّها قوة عاقلة باستثناء وقت المساس بأمنها القومي، حينها ستصبح قوة غاشمة، وحصراً مع الكيان المؤقت وراعيته أمريكا.

وهنا تبدو مفارقة ذات دلالةٍ عميقة، حيث إنّ إيران أقرّت باستشهاد ضابطيها في غارةٍ صهيونية على سوريا، وهو إقرارٌ يحمل في طياته العزم على الردّ، بينما “إسرائيل” تصمت صمتاً يستبطن العجز عن تحمل كلفة الاعتراف.

في المقابل تضع الولايات المتحدة نفسها في موطن شبهات العجز وفقدان الهيبة الإمبراطورية، حيث إنّ أكثر من نصف الشعب الأمريكي يرون أنّ بايدن كان ضعيفاً في مواجهة روسيا في الأزمة الأوكرانية، والآن مع الاكتفاء الأمريكي بالإدانة، لما قالت إنّه قصفٌ إيراني لقنصليتها في أربيل، وانتظارها لتوضيحات إيرانية، ستبدو هذه الإمبراطورية خائرة إلى حدّ تلقي الصفعات بطلب المزيد منها.

والقصف رسالة مباشرة للولايات المتحدة أيضًا، وفحواها أنّ المماطلة في فيينا، أو الضغط مهما كان شديداً، لن يغيّر من أمر إيران ومواقفها الثابتة شيئاً، وأنّ محاولات جلب ملف الصواريخ الإيرانية إلى فيينا، هو مجرد عبثٍ لا طائل منه.

كما أنّ هناك رسائل لأرباب التمرد والتطبيع في إقليم كردستان العراق، فحواها أنّ أفضل وسيلة لامتصاص الغضب الإيراني أو تجنبه، هو إغلاق كل منافذ الإقليم في وجه “إسرائيل” براً وجواً، أما الاستنجاد بأمريكا أو صراخ السيادة المفتعل، فما هو إلّا حيلة العاجز، كما التهرب من الاعتراف بوجود مراكز للموساد، لا يصلح لتجنب ذلك الغضب، ولا طائل منه.

كذلك، هناك رسائل لكل أنظمة الخليج الفارسي المتأسرلة، بأنّ الركون للقواعد الأمريكية لا يصلح غطاء حماية، في حال التهور باستهداف إيران، من أراضي تلك المشيخات، ومن العقلانية الإيرانية، أنّ الجزاء من جنس العمل، حيث العدوان الأمني بمثله، والعسكري بمثله، والسيبراني بمثله.

هناك محاولات لتسخير الردّ الإيراني، في منهجية الشيطنة لإيران، باعتباره عدواناً على السيادة العراقية، والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك، حيث لم يكن الاستهداف لموقعٍ عراقي، أو يخضع للسيادة العراقية، بل لمقرٍ يشكل عدواناً على السيادة العراقية، وإلّا ما سبب الإنكار المُلّح لوجود هذا المقر”الموسادي”؟ وإيران لا تفهم الرسائل بشكلٍ مغلوط، وهي أكثر من يدرك أنّ الواقع ليس دائماً كما يبدو، حيث إنّ مظلة السيادة العراقية، ليست هي الحقيقة وليست هي الواقع، بل على العكس من ذلك، فقد يكون الردّ الإيراني هو مظلة العراق للتخلص من الاحتلالين الأمريكي و”الموسادي”، وكذلك من التمرد البرازاني وسلوكياته.

لم يُقفل الحساب بانتهاء هذه الضربة، بل هو حسابٌ مفتوح، وسيتصاعد مع مرور الوقت، وعلى “إسرائيل” الإدراك، أنّ طرق الأبواب الإيرانية أول مرة، ليست كالثانية أو الثالثة، كما أنّ على الولايات المتحدة أن تدرك أيضاً، أنّ الهزيمة في أوكرانيا، ستطيل من صمتها في أربيل، كما ستطيله في سوريا ولبنان، وقد يأتي الوقت الذي ستصمت في فلسطين المحتلة، أسرع مما نظن. 


المصدر: كيهان العربي

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال