من المستحسن أن نسمي عصر اليوم عصرالبناء الثقافي، مما تجعل التطورات الحالية في العالم والمنطقة، الحاجة إلى تكوين حضارة إسلامية جديدة أكثر فأكثر جدية بالنسبة للمسلمين، وبما أن عظمة كل حضارة تتلخص في أفضل خيارات تقوم بها حسب الإمكانيات المتوفرة وبمساعدة قدراتها لخلق الدور الأكثر فعالية للثقافة، يمكن تحليل ملحمة الأربعين باعتبارها واحدة من أهم الظواهر التي تعمل على البناء الثقافي وإعادة تشييد الحضارة الإسلامية الحديثة. ودراسة الجوانب المختلفة لهذا الاستعراض الكبير البشري الذي يتمحور حول زيارة الأربعين والحداد على سيد الشهداء (ع) في إطار تحقيق المثل الأعلى للثورة الإسلامية، يعني أن وجود الحضارة الإسلامية الحديثة في عالم اليوم، ضرورة حتمية. والمؤكد هو أن إقامة مراسم عزاء الأربعين لها تأثير كبير على هندسة الحضارة الإسلامية ومن خلال التعرف على أبعاد مراسم الأربعين المختلفة وتنميتها وانطلاق مهرجانات خاصة بها، يمكننا أن نشهد تقدمًا ملحوظا في مجال الثقافة الإسلامية.
إن أحد المظاهر الفريدة لمسيرة الأربعين الكبرى والذي يبين إمكانية التخلص من هيمنة القيم المادية هو ظهور أصفى المواقف الإنسانية والإيمانية في ظل الظروف العالمية الخاصة، التي أصبحت الثقافة السائدة في العالم اليوم تتمحور حول قيم وثقافة الحداثة.
في عالم الرأسمالية اليوم، في حين أن المجتمعات تحكمها فكرة الحصول على الثروات الطائلة والعقلانية كأداة، النظام الرأسمالي لا يركض إلا وراء الثروة، بينما في هذه الأثناء أوصل النزعة الاستهلاكية إلى ذروتها، فنحن نشهد الملايين من الناس يستضيفون زوار الحسين (ع) بممتلكاتهم وأموالهم وأرباحهم دون أي توقعات، ويمكن تسمية ذلك معجزة وظاهرة غريبة في العالم الحديث.
ورغم جهود أعداء الإسلام في ممارة سياسة التفريق والإعاقة، أصبحت مسيرة الأربعين حركة عالمية كبيرة منقطعة النظير، التي بوسعها ضرورة التأكيد على الوحدة والتضامن والتلاحم بين المجتمعات. كما تجمعات الأربعين ظاهرة اجتماعية ودينية على نطاق عالمي لا تقتصر على المسلمين والشيعة فحسب، بل يشارك في هذا التجمع المليوني السلمي كل من يحب الحسين (ع) وطريق الحق ويؤمن بمبادئ ومعتقدات سيد الشهداء (ع). في واقع الأمر، أن هذا التجمع العظيم يتجاوز الحدود الجغرافية وينقل رسالة الإسلام إلى العالم، وهو دين يتصف بالسلام والوحدة والمطالبة بالحق، لذلك لا بد من التعرف على قدرات مسيرة الأربعين التی تعمل بكفاءة علي البناء الثقافي في الإسلام؛ لأن هذه القضية هي حدث ثقافي، بل ثقافة عظيمة من شأنها أن تقود الناس إلى أمة إسلامية واحدة مع التركيز على مبادئ وقيم ثورة الحسين (ع).
وبما أن البناء الثقافي يبدو فكرة مثالية، ومن دون مواكبة الديانات الإسلامية والدينية الأخرى، فلا يمكن للمرء أن يأمل في تكوين هذه الثقافة، بناء على ذلك، أكد قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي أن مسيرة الأربعين ستصبح عالمية أكثر، يوما بعد يوم ووصف المسيرة بأنها ظهورً لغليان دم الإمام الحسين (ع) الذي لازالت دماؤه تفور بعد مرو 1400 عام وقال: “الإمام الحسين (ع) ليس للشيعة فقط، بل لجميع الديانات الإسلامية، بما في ذلك الشيعة والسنة، وللإنسانية، ولهذا نشهد أيضًا حضور غير المسلمين في مسيرة الأربعين».
من هذا المنطلق، فإن مسيرة الأربعين حركة إنسانية عظيمة في سبيل الله ولها القدرة على البناء الثقافي للمجتمع الإسلامي ضمن إطار الثقة والاعتماد على هذه المشاركة العظيمة لمحبي سيد الشهداء (ع) ذوي العزيمة والمؤمنين بأهل البيت (ع) وبالتالي بمقدورنا وضع مجرى الحضارة الإسلامية وإعادة تشييدها وذلك على أساس القيادة الإلهية.
المصدر ؛ iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال