ضعف التجارة بين الولايات المتحدة واليابان 299

ضعف التجارة بين الولايات المتحدة واليابان

مع تنصيب دونالد ترامب رئيساً في يناير 2025 اعتمدت إدارته سياسةً قائمةً على حماية الإنتاج في الولايات المتحدة وفرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية، وكان الهدف من هذه السياسة هو خفض العجز التجاري الأمريكي وإعادة المصانع إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم.


استندت سياسة ترامب الجمركية إلى فرض رسوم جمركية متبادلة بناءً على حجم العجز التجاري الأمريكي مع شركائها. ونتيجةً لذلك واجهت طوكيو بصفتها أحد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة موجةً من الرسوم الجمركية. وتُعد اليابان خامس أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة بعد المكسيك وكندا والصين وألمانيا، حيث يتجه حوالي 20% من صادراتها إلى السوق الأمريكية. وكان هدف ترامب من هذه السياسة هو إجبار دول مثل اليابان على زيادة وارداتها من الولايات المتحدة وزيادة استثماراتها فيها.


في عام 2024 بلغت قيمة صادرات الولايات المتحدة إلى اليابان حوالي 79 مليار دولار واستوردت منها 150 مليار دولار؛ مما أدى إلى عجز تجاري لواشنطن قدره 70 مليار دولار.[1]


بسبب هذا العجز الكبير - وخاصةً في قطاع السيارات - فُرضت على اليابان تعريفات جمركية باهظة. في البداية، كان المعدل الأساسي للتعريفات الجمركية 10% على جميع الدول، ولكن طُبق على اليابان معدل أعلى. وفي نهاية المطاف وبعد مفاوضات بين الجانبين، خُفِّضت التعريفات الجمركية إلى متوسط ​​15%.[2]


كان أول أثر لسياسة التعريفات هذه هو انخفاض الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة حيث انخفضت واردات الحاويات الأمريكية من اليابان إلى 42,111 وحدة مكافئة لعشرين قدمًا في سبتمبر، بانخفاض قدره 8.3% عن العام السابق ووفقًا للجمعية اليابانية الدولية للشحن (JIFFFA)، بلغ إجمالي الواردات من يناير إلى سبتمبر 2025 ما مجموعه 475,229 حاوية بانخفاض قدره 1.7% عن العام السابق وخلال الفترة نفسها، انخفضت المنتجات المتعلقة بالسيارات بنسبة 8.6% بسبب التعريفات.[3]


و ردًا على موجة التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على اليابان في أبريل 2025 اعتمدت طوكيو استراتيجية مزدوجة: من ناحية؛ الحفاظ على العلاقات مع واشنطن من خلال المفاوضات والالتزام باستثمار 550 مليار دولار في الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، تنويع الشركاء التجاريين للحد من المخاطر الاقتصادية. كان هذا النهج حاسمًا بالنسبة لطوكيو حيث كانت قدرتها على مواجهة واشنطن بشكل مباشر محدودة بسبب اعتمادها الأمني ​​الكبير على الولايات المتحدة. ومع ذلك تحاول اليابان تقليل اعتمادها على السوق الأمريكية من خلال تبني سياسة متعددة الأطراف.

كان أحد الإجراءات الرئيسية لطوكيو هو توسيع التعاون الإقليمي و في 30 مارس 2025 بعد خمس سنوات اجتمع وزراء تجارة الصين وكوريا الجنوبية واليابان في طوكيو لمناقشة اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية (FTA) والتعاون في سلسلة التوريد ردًا على سياسات التعريفات الجمركية الأمريكية وكانت نتيجة الاجتماع التزامًا أوليًا بزيادة التجارة.


كانت الخطوة التالية لليابان هي التركيز على تطوير التقنيات المتقدمة لتقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة من خلال الابتكار. وأكدت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية (METI) في تقريرها لعام 2025 على ضرورة توسيع البلاد لصادرات المنتجات ذات القيمة المضافة العالية. ووفقًا لمنظمة التجارة الخارجية اليابانية (JETRO)، فإن إجراءات التعريفات الجمركية الأمريكية لم تؤثر فقط على الصادرات اليابانية المباشرة، بل عطلت أيضًا سلاسل التوريد العالمية للشركات اليابانية. لهذا اعتمدت طوكيو سياسة تنويع أسواق التصدير والاستيراد لتقليل تعرضها للصدمات التجارية، وخاصة في الصناعات الرئيسية مثل السيارات والمكونات الإلكترونية والمعدات المتقدمة.[4]


ووفقًا لهذه السياسة نمت صادرات اليابان بنسبة 4.2% على الرغم من حرب التعريفات الجمركية مع الولايات المتحدة، ويرجع ذلك أساسًا إلى زيادة الصادرات إلى آسيا وخاصة الصين بنسبة 9.2%. في المقابل انخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 13.3%، مسجلة بذلك الشهر السادس على التوالي من الانخفاض السنوي. وانخفضت شحنات السيارات إلى الولايات المتحدة بنسبة 24.2% في سبتمبر. ارتفعت واردات اليابان الإجمالية بنسبة 3.3% خلال الشهر بما في ذلك زيادة بنسبة 6% في الواردات من آسيا وزيادة بنسبة 9.8% من الصين.[5]


وكانت زيارة دونالد ترامب إلى اليابان في أكتوبر 2025 تهدف أيضًا إلى زيادة الضغط على طوكيو لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة. وكان المجال الوحيد الذي أبدت فيه واشنطن مرونة هو زيادة وارداتها من المعادن الأرضية النادرة؛ على الرغم من أن اليابان لا تمتلك موارد كبيرة في هذا المجال ومن المرجح أن تهدف الولايات المتحدة إلى جعل اليابان مركزًا لصادرات المواد الخام إلى الولايات المتحدة، لا سيما في ظل التوترات التجارية بين واشنطن وبكين التي قيدت صادرات هذه المواد من الصين إلى الولايات المتحدة.


وتضمن اتفاق ترامب مع رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة، ساناي تاكايتشي التنفيذ الكامل لالتزام اليابان باستثمار 550 مليار دولار في الولايات المتحدة لتعزيز القاعدة الصناعية للبلاد، وتوقيع اتفاقية بشأن المعادن الحيوية. كما تمت الموافقة على عمليات شراء واسعة للطاقة من الولايات المتحدة.


وبشكل عام، كان اتجاه الاتفاقيات الأخيرة بين اليابان والولايات المتحدة أكثر نحو خفض العجز التجاري لواشنطن وزيادة واردات اليابان من الولايات المتحدة بدلاً من زيادة صادراتها إلى الولايات المتحدة.


وفي الختام، يمكن الاستنتاج أن الفجوة الاقتصادية بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة واليابان تتعمق أكثر فاكثر وقد جعل وصول ترامب إلى السلطة من المستحيل على اليابان اعتبار واشنطن حليفًا استراتيجيًا لها لأن السياسات الأحادية الجانب لإدارة ترامب قد صيغت بشكل رئيسي لصالح الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يؤدي هذا الوضع إلى تعميق اليابان للعلاقات الاقتصادية والأمنية مع الدول الآسيوية الأخرى وخاصة الصين.




محمد مهدي إسماعيل خانيان


[1]https://ustr.gov/countries-regions/japan-korea-apec/japan

[2]https://www.congress.gov/crs-product/IN12608

[3]https://container-news.com/u-s-container-imports-from-japan-drop-8-3-in-september

[4]https://thediplomat.com/2025/05/japans-response-to-trumps-tariffs?utm_source=chatgpt.com

[5]https://apnews.com/article/japan-trade-economy-trump-tariffs-takaichi-021b347db0cd35bc74317642c9974e60

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال