تعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر إجراؤها في عام 2024، أحد القضايا الرئيسية سواء داخل هذا البلد أو في الدوائر السياسية خارجه. بدءا من نشر قائمة المرشحين والتكهنات وصولاً إلى جماعات الضغط والاجتماع مع بعض المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية الأمريكية، كل ذلك يدل على أهمية هذه الانتخابات. انتخابات كانت دائماً حسب ادعاءات الأمريكيين مصحوبة بتدخل دول أخرى.
ومؤخرا كان هناك لقاء جمع بين “يوسف العتيبة” و “مايكل هرتسوغ” سفيرا الإمارات وإسرائيل في أمريكا، مع “رون ديسانتيس”حاكم ولاية فلوريدا و يعتبر الخيار القوي للحزب الجمهوري للمشاركة في انتخابات 2024 الرئاسية، وهي بداية المحاولات المشتركة لجماعات الضغط في أبوظبي وتل أبيب من أجل التأثير على عملية الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
وفي وقت سابق، تم إصدار تقرير استخباراتي أمريكي سري يشير الى محاولات الإمارات للتأثير على السياسة الأمريكية. حيث أشار التقرير إلى أن الإمارات كانت تحاول بشكل قانوني وغير قانوني – في العديد من الانتخابات الرئاسية – لرسم السياسة الأمريكية لسنوات عدة.
وذكر التقرير أن الإمارات أنفقت منذ عام 2016 أكثر من 154 مليون دولار على ممارسة الضغط وملايين أخرى على المنح للجامعات الأمريكية.
وبعد مقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في تركيا، ازداد التركيز على دور الإمارات في واشنطن. وخلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أن اغتياله كان بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، وهو ما دفع واشنطن جماعات ضغط فيها ومراكز الفكر إلى قطع العلاقات المالية مع الرياض والتوجه إلى أبوظبي.
بالإضافة إلى الإمارات، يتدخل الكيان الصهيوني أيضاً في السياسة الداخلية لأمريكا وانتخابات هذا البلد من خلال العديد من جماعات الضغط . حيث اتهم الناشط الأمريكي المخضرم نعوم تشومسكي إسرائيل بالتدخل “الوحشي” في السياسة الانتخابية الأمريكية لدرجة أنه يعتقد أن تدخل الكيان الإسرائيلي أكثر بكثير من أي محاولة ممكن ان تحدث من قبل روسيا. ويعتبر جماعات ضغط الكيان الصهيوني تهديدا وشيكا ومدمرا حيث يحذر بشدة من هذا الأمر.
لطالما كانت قوة اللوبي المؤيد لإسرائيل قضية خلافية في واشنطن. ففي عام 2007 ، نشر “جون ميرشايمر” و”ستيفن والت” كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية، والذي وصف اللوبي بأنه “تحالف فضفاض من الأفراد والمنظمات التي تعمل بنشاط لتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية لصالح إسرائيل”.
يضم هذا التحالف مجموعات مثل لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) وهي مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل مقرها الولايات المتحدة حيث أنفقت 1.75 مليون دولار هذا العام على تعزيز السياسات المؤيدة لإسرائيل.
ويعد المؤتمر السنوي لهذه اللجنة محطة توقف متكررة للسياسيين الذين يسعون للانتخاب أو إعادة انتخابهم، وقد تحدث نتنياهو عنها عدة مرات. ففي عام 2016 كان من بين المتحدثين الكبار نائبة الرئيس جو بايدن، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب، والحاكم جون كاسيش، والسناتور تيد كروز، ورئيس البرلمان بول رايان.
وفي هذا الصدد، اتهم المسؤولون الأمريكيون مرارا روسيا وإيران بالتدخل في انتخابات بلادهم. خاصة روسيا التي اتُهمت بدعم دونالد ترامب في انتخابات 2016 و 2020 الرئاسية. كما أفيد مؤخرا أن رجل أعمال روسي يدعى بريغوجين قال في تصريح له: “لقد تدخلنا (في الانتخابات الأمريكية)، ونتدخل وسنواصل التدخل بعناية ودقة كما نعرف كيفية القيام بذلك.”
لذلك ، يجب القول أنه لا يوجد في الولايات المتحدة أي عائق على تبرعات جماعات الضغط للحملات السياسية. حيث قال أحد المشرعين الأمريكيين الذين قرأوا تقرير المخابرات عن التدخل في الانتخابات والسياسة الأمريكية لصحيفة واشنطن بوست: إن هذا التقرير يوضح كيف يتم تشويه الديمقراطية الأمريكية بالمال الأجنبي، وقال إنه يجب إثارة هذه القضية واعتبارها بمثابة انذار خطر.
بالنظر إلى الأدلة والمزاعم التي يمتلكها الأمريكيون أنفسهم، فإن هذا البلد يعاني من مشاكل قانونية تتسبب في تدخل دول أخرى في شؤونه الداخلية لدرجة أن دولة مثل الإمارات، والتي ليست حتى قوة إقليمية، يمكنها بسهولة التدخل في الانتخابات من خلال جماعات الضغط العديدة في أمريكا التي تعتبر نفسها القوة العظمى في العالم. رغم أن المسؤولين الأمريكيين على دراية بهذه القضية وتحديات نظامهم السياسي، إلا أنهم لا يظهرون أي رد فعل للحد من تأثير جماعات الضغط. في الواقع، يبدو أن جماعات الضغط هذه لديها مصالح للمسؤولين السياسيين الأمريكيين ترجحها على المصالح الوطنية لبلادها. حيث تمكن العديد من المسؤولين السياسيين الأمريكيين من الوصول إلى السلطة من خلال جماعات الضغط هذه. لهذا السبب، فإن سوق جماعات الضغط والتدخل الأجنبي في السياسة الداخلية للولايات المتحدة نشطٌ وفعال.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال