بعد عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان زادت مخاوف جيران هذا البلد. وتعتبر طاجيكستان الأكثر قلقًا بين هذه الدول. خلال هذه الفترة، شهدت التهديدات الإرهابية وزيادة إنتاج المخدرات وتهريبها عبر الحدود الطاجيكية ارتفاعًا ملحوظًا. وقد أدى ذلك إلى إعادة طرح طاجيكستان لفكرة حزام الأمن في أفغانستان.
أعرب المسؤولون في طاجيكستان، وخاصة إمام علي رحمان، رئيس جمهورية طاجيكستان، عن مخاوفهم المتكررة خلال العامين الماضيين بشأن الأنشطة الإرهابية وتهريب المخدرات والهجرة غير القانونية لمواطني أفغانستان إلى طاجيكستان. وفقًا لما ذكره رحمان، بعد عام من تولي طالبان السلطة، أي في عام 2022، تم اكتشاف وضبط 5 أطنان من المخدرات في طاجيكستان، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 22% مقارنةً بعام 2021. وقد استمر هذا الاتجاه في الارتفاع في السنوات التالية.كانت طاجيكستان واحدة من الدول القليلة التي دعمت جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية (قوات أحمد مسعود والمعارضة لطالبان) وقدمت لها دعمًا متنوعًا، بما في ذلك الدعم العسكري.
من جهة أخرى، قامت شبكة حقاني وإدارة معلومات طالبان الأفغانية بنشر قادة مجموعات إرهابية بارزة، مثل "حاجي فرقان" من قادة المجموعة الإرهابية حركة إسلام تركستان الشرقية، و"مولوي إبراهيم" من القادة البارزين لجماعة أنصار الله الطاجيكية، و"شيخ ذاكِر" من قادة حركة إسلام أوزبكستان، و"عبد الحق الأويغوري" من قادة تنظيم القاعدة، مع مئات الإرهابيين في المناطق الحدودية مع طاجيكستان، مثل بدخشان وبغلان وقندوز. لقد أصبح هذا الأمر تحديًا كبيرًا لدول آسيا الوسطى، وخاصة طاجيكستان، مما أدى بين الحين والآخر إلى اشتباكات بين قوات حرس الحدود الطاجيكية وأفراد هذه الجماعات. نظرًا لزيادة التهديدات الأمنية الناجمة عن أفغانستان، اقترح إمام علي رحمان إنشاء "حزام أمني" حول أفغانستان للدول المجاورة، وهو اقتراح ليس بجديد.
للمرة الأولى، طرح إمام علي رحمان، رئيس طاجيكستان، مبادرة "إنشاء حزام أمني حول أفغانستان" في الأمم المتحدة عام 1998. وقد كانت هذه الفكرة مطروحة حتى دخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان في عام 2001. بعد سقوط أول حكومة لطالبان في كابول، كان هناك أمل في إنشاء حكومة ديمقراطية وشاملة في أفغانستان، وتم نسيان مبادرة إنشاء الحزام الأمني.
ومع ذلك، مع عودة طالبان إلى السلطة في صيف عام 2021، حصلت فكرة إنشاء حزام أمني حول أفغانستان على دعم أكبر، بما في ذلك من أوزبكستان وقيرغيزستان والهند. وقد كرر رحمان هذه المطالب في مختلف الاجتماعات، بما في ذلك منظمة شنغهاي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، خلال العامين الماضيين.
آشار الرئيس رحمان إلى الحدود الممتدة على 1400 كيلومتر بين أفغانستان وطاجيكستان، والتي يتسم جزء كبير منها بوعورة السفر، وأعلن عن قرار طاجيكستان باتخاذ تدابير حدودية جدية، وأكد أنه في العامين الماضيين قامت طاجيكستان بإنشاء 175 نقطة حدودية على طول الحدود مع أفغانستان، ومن المقرر إنشاء 300 نقطة حدودية أخرى في المستقبل. ودعا رحمان دول المنطقة الأخرى إلى تبني مبادرة طاجيكستان والسعي لتطبيق فكرة "حزام الأمن" حول أفغانستان بهدف منع وتقليل التهديدات. تملك أفغانستان حدودًا مع طاجيكستان، إيران، باكستان، أوزبكستان، تركمانستان، والصين. وتجدر الإشارة إلى أن طاجيكستان تُعد، في الوقت الحالي، البلد الوحيد من بين خمس دول في آسيا الوسطى الذي ينظر إلى تولي طالبان السلطة بتحفظ وانتقاد واضحيين.
سيحقق مشروع حزام الأمن حول أفغانستان أربع مزايا رئيسية:
1. تعزيز الأمن: من خلال منع انتشار الإرهاب والأنشطة غير القانونية من أفغانستان إلى الدول الجارة.
2. تقوية الاستقرار: من خلال خلق منطقة عازلة.
3. تعزيز التعاون الإقليمي.
4. مواجهة التطرف: بهدف التصدي للتهديدات المتطرفة من منابعها.
ومع ذلك، يحمل هذا المشروع أيضًا عيوبًا وملاحظات خطيرة؛
أولًا، يتطلب تنفيذ مشروع حزام الأمن وجود قوات عسكرية وأمنية أجنبية في أراضي مختلف البلدان، وهذا الأمر يثير مخاوف كبيرة في ظل الظروف الراهنة في المنطقة.
ثانيًا، يتعلق الأمر بالتكاليف المالية وغير المالية لهذا المشروع. تشكيل منطقة عازلة تمتد لعدة آلاف من الكيلومترات يتطلب تكاليف باهظة من جميع الدول وتخصيص موارد عسكرية كبيرة.
ثالثًا، في حال تنفيذ هذا المشروع، من المحتمل أن تشهد المنطقة نشوء توترات جيوسياسية بين مصالح القوى الكبرى، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة الأزمات الإنسانية في أفغانستان.
تسعى طاجيكستان من خلال إعادة طرح حزام الأمن حول أفغانستان لتحقيق أهداف مختلفة، بعضها مشترك مع دول أخرى والبعض الآخر خاص بها. تشعر دول المنطقة، وخاصة طاجيكستان، بالقلق تجاه الفوضى الداخلية في أفغانستان، وتسعى من خلال اتخاذ تدابير مثل تشكيل حزام الأمن حول أفغانستان إلى منع تسرب مشكلات هذا البلد إلى أراضيها.
تزايد الهجرات غير القانونية، ونفوذ القوات شبه العسكرية التابعة لجماعات إرهابية مثل داعش خراسان بين اللاجئين، يمثل تهديدًا يجابه جميع دول المنطقة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن المواطنين الطاجيك كانوا أكثر بروزًا في الأحداث الإرهابية خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالمواطنين الأفغان، حيث يسعى المسؤولون الطاجيك من خلال طرح حزام الأمن إلى منع تشكل صور سلبية حول طاجيكستان.
والحقيقة هي أن شبكة تجنيد المجموعات الإرهابية في آسيا الوسطى قد تطورت، ولا يمكن القضاء على هذه الروابط فقط من خلال حزام الأمن. خاصة لطاجيكستان، التي يبدو أن شبكة التجنيد فيها أوسع، وقد اكتسبت قدرات أكبر في التدريب والعمليات، مما أثار مخاوف جدية في الدول المجاورة. تسعى طاجيكستان، كونها أفقر بلدان آسيا الوسطى، من خلال طرح هذا الحزام إلى جذب مساعدات مالية وعسكرية متنوعة من مصادر مختلفة، بما في ذلك منظمة شنغهاي، وعلى رأسها روسيا وأيضًا الولايات المتحدة. كما تستخدم طاجيكستان هذا المشروع للضغط على طالبان لتمكين الطاجيك في أفغانستان، الذين يدعي الإمام علي رحمان أنهم يشكلون أكثر من 46 في المئة من سكان أفغانستان، للمشاركة في حكومة شاملة.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال