382
خلال الأسابيع الأخيرة ومع احتدام الجدل حول الهجوم العسكري الأمريكي المحتمل على فنزويلا(١)، بحث العديد من الخبراء الدوليين عن سبب سعي إدارة ترامب الحثيث لشن الهجوم على هذا البلد. السبب الذي ذكره وزراء أمريكيون مرارًا في وسائل الإعلام الغربية هو قضية تهريب المخدرات من أمريكا الجنوبية إلى الولايات المتحدة. إن إثارة هذه القضية في البيئة الدولية الراهنة بعد انحسار الصراعات في غرب آسيا يتطلب مزيدًا من البحث والتحليل لمختلف أبعاد هذا الحدث. سنستعرض في هذا المقال خريطة تهريب المخدرات إلى أمريكا الشمالية.
تركيز الإنتاج العالمي: يتركز أكثر من 80% من إنتاج الكوكايين العالمي في ثلاث دول هي كولومبيا وبيرو وبوليفيا(٢)، ولا تزال أمريكا الجنوبية المحور الرئيسي لسلسلة الإنتاج. إن قضية إنتاج المخدرات في هذه الدول ليست مسألة راهنة بل تعود إلى عقود مضت. يُمثل إجمالي إنتاج المخدرات في دول طريق المحيط الهادئ (كولومبيا-بيرو-بوليفيا) المصدر الرئيسي لإنتاج الكوكايين في العالم، في حين لا تُولي إدارة ترامب اهتمامًا كبيرًا لهذا الطريق باعتباره مركز إنتاج الكوكايين العالمي. قد يُلقي هذا الموضوع بظلاله على أبعاد مهمة أخرى ناجمة عن الأهداف الخبيثة للدول الاستعمارية لاستغلال هذا الضعف في دول منطقة أمريكا الجنوبية.
طريق المحيط الهادئ السائد: يمر حوالي 74% من الشحنات المهربة عبر طريق المحيط الهادئ(٣)؛ حيث تغادر الشحنات موانئ بيرو والإكوادور وكولومبيا، وبعد مرورها بكوستاريكا وبنما تصل إلى المكسيك ثم تدخل كاليفورنيا وتكساس برًا. يُظهر الطريق المذكور تنسيق جماعات المافيا لتهريب المخدرات إلى أمريكا الشمالية لسنوات عديدة، كما يُشير التنسيق بين العديد من الدول إلى الأبعاد العابرة للحدود لتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، ومن المرجح أن حكومات الولايات المتحدة قد استفادت أيضًا من الإيرادات الهائلة لهذه التجارة السوداء.
دور طرق الكاريبي: تُعدّ طريق الكاريبي أقلّ استخدامًا إلا أنها لا تزال نشطة في تهريب المخدرات إلى كندا وولايات مثل فلوريدا، بما في ذلك طرق عبر جامايكا وبنما. ورغم انخفاض حجم تهريب السود، لا يزال طريق الكاريبي يُشكّل أحد المعوقات التي تواجهها مافيا المخدرات. يمكن لفنزويلا والولايات المتحدة جعل طريق الكاريبي غير آمن لتهريب المخدرات من خلال تشكيل فرق خبراء ثنائية، ومع المراقبة المستمرة بالطائرات المسيّرة سيُغلق هذا الطريق إلى الأبد. ولكن بالنظر إلى النهج السياسي لإدارة ترامب فإنّ حلّ المشكلة يعني بالضرورة ضمان مصالح الدولة المستعمرة وهناك أمل ضئيل في حلّ سلمي لهذه المشكلة بين الولايات المتحدة وفنزويلا.
الحصة المحدودة من الطريق الفنزويلي: يمر 10-13% فقط من الكوكايين العالمي عبر فنزويلا؛ وهو طريق ثانوي رغم صغر حصته فإن واشنطن تقدمه كمبرر لزيادة وجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي والضغط السياسي على حكومة مادورو. يُقرّ العديد من خبراء الأمن بتصاعد تجارة المخدرات في فنزويلا، التي لا تحتاج إلى استخدام تجارة الكوكايين السوداء نظرًا لمواردها النفطية الضخمة إلا أن النهج السياسي للحكومة الأمريكية يتمثل في استغلال جميع الفرص للضغط على منافسيها الإقليميين والخارجيين. يُمثل الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في منطقة البحر الكاريبي فرصة لإدارة ترامب لوضع منطقة أمريكا الجنوبية تحت رقابة أكبر مما سيزيد الضغط على الحكومات الاشتراكية المعارضة لأهداف الدول الغربية.
الخلاصة
ينبغي القول إن موقف الولايات المتحدة من تهريب المخدرات إلى هذا البلد يعود إلى أبعاد سياسية خفية في الولايات المتحدة أكثر منه إلى حرص المسؤولين الأمريكيين على السيطرة على تجارة المخدرات غير المشروعة إلى هذا البلد. تُشكل فنزويلا بحجم إنتاجها المحدود من المخدرات مقارنةً بدول أمريكا الجنوبية الأخرى تهديدًا أقل للولايات المتحدة، لكن القضية الرئيسية تكمن في موارد الطاقة الهائلة التي تمتلكها، والتي وضعت إدارة ترامب خططًا شريرة لها. في المستقبل سيتضح إلى أي مدى ستُخاطر إدارة ترامب بإثارة صراع في منطقة أمريكا الجنوبية لأن تجربة مهاجمة كوبا في أمريكا اللاتينية لم تكن مُرضية للحكومات الأمريكية السابقة.
أمير علي يگانة
1- https://www.cnn.com/2025/11/15/politics/venezuela-trump-military-what-we-know
2- https://insightcrime.org/news/insight-crimes-cocaine-seizure-round-up-2023/
3- https://time.com/7317506/us-venezuela-war-powers-international-law-trump-maduro-drugs-cartel-boat-strike/
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال