ليست المرة الأولى التي تتعرّض إيران للانتهاك في المياه الإيرانية، سبق وتعرّضت لاحتجاز ناقلات نفط كانت قد احتجزتها بريطانية إضافة لطائرات تجسّس أميركية للهجوم بالقرب من المضيق، ويعود تصاعد التوترات إلى ارتفاع حدة القيود المفروضة على تجارة النفط الإيراني إلى العالم بفعل عقوبات أميركية فرضت الخناق مستهدفة القيود الاقتصادية على وجه تحديد صادراتها، فحرب الرواية ما زال مستمراً على صفيح ساخن في خليج عُمان، ورغم تعدد روايات الناقلة إلا أنّ التلفزيون الإيراني قام ببث مقطع فيديو يعرض به تمكن الحرس الثوري الإيراني من سحب الناقلة إلى المياه الإيرانية بعد إجبار فرقاطة اميركية على الانسحاب، وذلك برصد قوات الحرس الثوري الإيراني القرصنة الأميركية بتدخل سريع قامت بعملية إنزال عسكري على متن الناقلة الثانية وصادرتها لاقتيادها إلى المياه الإقليمية الإيرانية، فالرواية هنا متوافقة كلياً مع الفيديو الذي عرضته إيران بالصوت والصورة، بينما واشنطن تحاول نفي الرواية بشكل او بآخر لماذا…؟
بعد أن أدركت فشلها ولربما خوفاً من تداعيات أخرى ليست بالحسبان، خاصة أنها ما زالت تعاني من تبعات الهزيمة في أفغانستان.
لقد تجاهلت الولايات المتحدة الأميركية الموضوع تجاهلاً رسمياً ليتمّ توضيحه من قبل الجمهورية الاسلامية في ما بعد، ليترجم هذا التغافل بالمعنى السياسي أن واشنطن أدركت حجم فشلها في ظل تداعيات أخرى إطاحة بالبيت الأبيض وبإدارة جو بايدن تحديداً الذي يعاني من عدم توازن سياسي أدى لإخفاقات وخلافات مع الكونغرس الأميركي، فكلّ هذا منعه من أيّ تقدم في تنفيذ أجندته المتعلقة برعاية سياسية واقتصادية واجتماعية، كذلك الفشل الأكبر الذي يعتريه هو نتاج لسياسته الخاطئة بعدم إعادة البنى التحتية لتظهر علامات السقوط السياسي المدوي عليه، فأدى إلى صرف النظر لما فيه من إحراجات أمام الرأي العام الأميركي وأمام حلفائه، ليتحتم عليه حفظ ماء الوجه…
هل ستنقلب مجريات مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية في مرحلة تطور نوعي وحساس يحمل وجه تهديد مباشر في حال التصعيد؟ وما هي الرسائل الإيرانية الموجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية؟
بداية واشنطن تعمل على سياسة الحسابات الخاطئة إقليمياً في وسط بقعة جغرافية هي الأكثر اشتباكاً بالقوى العسكرية عالية المستوى وذلك لإعادة ترتيب الأوراق ضمن إطار الأزمات المسيطر عليها بهدف التوجه إلى الشرق الأوسط ناهيك عن الحسابات الأخرى للولايات المتحدة في حال شكلت تحالفاً لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة بحسب تعبيرهم، هذا على مستوى السياسة الاستراتيجية الاقليمية التي تحمل معها شقاً عسكرياً، إلا أنّ إيران حاولت توجيه رسالة عسكرية وسياسية مباشرة إلى واشنطن مفادها :
إذا أقدمت أميركا على خطوة ضدّ ناقلاتها في بحر الصين وفي أيّ منطقة فسيكون الردّ مباشراً وحاسماً، وهنا نتحدث عن أهمية وحساسية المنطقة التي تعتبر الشريان الأبهر العالمي (مضيق هرمز) في حال حصل خلل في الممر المائي، وهذا ستكون له عواقب اقتصادية وخيمة عالمياً بما انه يعتبر ضماناً لأمن الطاقة إلى العالم والبلدان، بالتالي هنا يمكننا القول بأنّ إيران ثبتت معادلة اقليمية بالمعنى الاستراتيجي في المنطقة متجاهلة كلّ القوى العسكرية ونجحت في ذلك باعتراف البنتاغون بأنّ القوات الإيرانية سيطرت على ناقلة النفط واقتادتها إلى المياه الإيرانية، ما يعني أنّ الجرأة التي تتحلى بها إيران هي بالغة الأهمية بالنسبة لأميركا وتستوجب وقتاً لاستيعاب واشنطن ما حصل لتدخل حيّز الإرباك تجاه الخطوة الإيرانية لتتجه أنظار العالم على اللاعب الأساسي المتمثل بإيران على مستوى الحدث الاستراتيجي والعسكري، وهي في قلب العنصر الاستخباري الأميركي الذي مارس القرصنة عليها بالرغم من أنها قامت بعملية فريدة من نوعها تفادياً لأيّ نوع من حرب الاستنزاف كانت قد تحصل، وهذه بمثابة معادلة ردع إقليمي…
لذا لا نعتقد بأنّ إيران ستتهاون مع هذه الهجمة حتى لو كانت لها انعكاسات على الملف النووي في حال استخدمت أميركا هذا الملف كورقة سياسية ضاغطة مع حلفائها، إذ تساوم عليها، وفي حال ذلك فإنّ إيران ستدخل المفاوضات بكلّ ثقة لأنّ العالم بات يعرف أنّ الجمهورية الاسلامية الإيرانية الأقوى من الناحية الجغرافية واستراتيجياً لديها قدرات هائلة لحماية أمنها الإقليمي من ايّ اعتداء سافر عليها، ولا تعنيها أيّ قوى موجودة في خليج عُمان في ظلّ وجود القاذفات البرية والبحرية الأميركية، ومن الواضح أنّ ما قامت به إيران هو الأكثر منطقياً في ظلّ ما يجري من تضارب أنباء الرواية. وإزاء ذلك لربما تحاول أميركا تشكيل تحالف بعد أن تلطخت هيبتها بخليج عُمان فيما «إسرائيل» تعيش حالة ترقب وتنتظر دخول روسيا والصين لتهدئة الوضع في «الشرق الأوسط».
المصدر: البناء
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال