عجلة المصائب والأزمات في بريطانيا دون توقف 52

عجلة المصائب والأزمات في بريطانيا دون توقف

فقدت بريطانيا فرص كثيرة لسنوات عديدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وكادت تمر من نفق تلك الأزمة سقطت بعدها في أزمة كورونا والمشاكل الاقتصادية التي أعقبتها ولم تخرج من هذه الأزمة حتى سقطت في  الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الأوكرانية والوضع الاقتصادي الفوضوي في أوروبا والوقوع في مشاكل الطاقة والاقتصاد. يبدو أن بريطانيا ابتلت في دوامة لا نهاية لها من المشاكل والأزمات. ويمكن رؤية المظهر الواقعي لهذه المشاكل من خلال تنبؤات مسؤولي البلاد حول الأزمات الاجتماعية، و ظهور الاحتجاجات في هذا الوضع المعقد سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية يعطي الشرطة في البلاد صلاحيات جديدة لاتخاذ طرق أكثر “وقائية” تجاه بعض الاحتجاجات. وطبقا لهذه الخطة ستكون الشرطة أكثر انفتاحًا في قمع الاحتجاجات. في غضون ذلك نظم ناشطون بيئيون تظاهرات مختلفة في الأشهرالأخيرة وخرجت احتجاجات مختلفة ضد الوضع الاقتصادي الراهن ويبدو أن الأشهر المقبلة ستشهد احتجاجات أخرى على إرث الملكة والملك الجديد لهذه الجزيرة المعزولة.

بالنظر إلى آخر الأحداث خلال الأشهر القليلة الماضية في هذا البلد يمكننا بسهولة أن نفهم وضع الحكومة السىء للغاية لدرجة أننا نشهد أقصر فترة رئاسة لرئيس الوزراء في تاريخ 300 عام الماضية للمملكة.[1] في الواقع، خلال السنوات الماضية وصل 4 أشخاص من حزب المحافظين البريطاني لرئاسة الوزراء وهم ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون وليز تراس رغم أن مدة رئاسة كل منهم كانت أقصر من السابق بحيث تم تغيير رئيس الوزراء ثلاث مرات في عام واحد فقط.[2]  جاءت تراس للعمل بشعار “نمو ، نمو ، نمو” ولكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا واستقالت أخيرًا من منصبها بعد أن قدمت اعتذاراً للناس في البلاد [3]. كانت قيمة الحزمة الاقتصادية التي اعلنتها ليز تراس و البالغة 50 مليار دولار بمعظمها لصالح الأغنياء بشكل غير متناسب وأدت  إلى انهيار قيمة الجنيه وأزمة في الأسواق المالية وتدهورت سمعة بريطانيا في العالم. بينما كان الناس منشغلين بزيادة التضخم والارتفاع الهائل في أسعار الكهرباء والغاز ومع زيادة أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري وخلق أزمة اقتصادية في البلاد تسببت أفعالها في تفاقم وضع الأسر والعائلات.[4]  بعد الكثير من التوتر وبعد ما يقرب من خمسة أسابيع منذ أن أصبح ريشي سوناك أول رئيس وزراء من أصل هندي في بريطانيا، ادعى في أول خطاب رسمي له أن نيته كانت إصلاح مشاكل وأخطاء الحكومة السابقة وإنه سيبدأ بإصلاحاته على الفور.[5]       تسلم مسؤولياته في ظل ظروف صعبة مع وجود أعلا نسبة تضخم واجهها البلد منذ 40 عام عداك عن الارتفاع المتزايد واليومي لأسعار الطاقة والمواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية.[6] وفي وقت سابق في هذا الصدد حذر البنك المركزي البريطاني إنه وبالنظر إلى المشاكل الاقتصادية والأزمات العديدة الداخلية والخارجية سيصل التضخم في المستقبل القريب أي حتى خريف هذا العام إلى مستوى قياسي مرة أخرى وستدخل البلاد ركود طويل الأمد.[7] الآن يبدو أن على سوناك أن يتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتنامية والعديد من المشاكل الاجتماعية ولديه حزب سياسي مهتز ونقص الدعم الكامل داخل الحزب فضلاً عن بلد منقسم بشدة. ويقول سيرجي شين باحث في مركز دراسات المجتمع الاوروبي والعالم في موسكو إن على ريشي سوناك التعامل مع كل من أزمة الطاقة والاضطرابات الجيوسياسية الداخلية والخارجية، وأن بقاءه السياسي يعتمد على هذه العوامل. ويتوقع شين أن سوناك لابد من أن يتخذ اسلوباً متوازناً أكثر حتى يستطيع إعادة الإعتبار لحزبه الضعيف.[8]​

الآن وبعد مضي شهر على التغييرات االحاصلة في الحكومة البريطانية هناك همسات تشير الى عدم كفاءة ريشي سوناك وفريقه الاقتصادي، وفي المحصلة يطرح السؤال التالي: “هل كان ريشي سوناك هو الاختيار المناسب لهذا المنصب؟” أم أنه مثل العديد من رؤساء الوزراء الذين سبقوه، هل سيتوقف في بداية الرحلة؟ هذا في حين أن العديد من أعضاء الحزب المحافظ لم يؤيدوه ويعتقدون أنه غير لائق لقيادة الحكومة البريطانية في خضم أزمات اقتصادية واجتماعية حادة، فقد أدانوا ريشي سوناك بتهمة الخيانة والطعن في ظهر جونسون و يعتقدون أنه بسبب استقالة سوناك من الخزانة البريطانية ردًا على فضائح عديدة لحكومة جونسون بدأت سلسلة الاستقالات في الحكومة وهذا أدى إلى أن أجبر جونسون نفسه على الاستقالة، كما فشلت الحكومات اللاحقة في السيطرة على الوضع واشتدت حدة الأزمات التي كانت سبباً في الخلافات الداخلية داخل حزب المحافظين حيث أفضت إلى أن تصبح ليز تروس رابع رئيس وزراء بريطاني في السنوات الست الماضية. من عام 2016 حتى اليوم تم تعيين “ديفيد كاميرون” و “تيريزا ماي” و “بوريس جونسون” و “ليز تراس” والآن “ريشي سوناك” في هذا المنصب وقبل ريشي سوناك ، استقال جميع رؤساء الوزراء الأربعة السابقين من منصب رئيس الوزراء بسبب التوتر السياسي – الاقتصادي وعدم الاستقرار ، والآن لابد من الانتظار عشية الأيام الصعبة التي تواجه شعب بريطانيا وحتى أوروبا لتشهد تغيرات محتملة في السياسات الاقتصادية والسياسية، وفي ظل التوقعات الاقتصادية القاتمة السائدة في هذا البلد فمن المرجح عدم نجاح الحكومة الحالية والتغيرات الواسعة اللاحقة في هذا البلد حتى قبل الانتخابات العامة 2024  وفي هذه الحالة سنشهد استمرار دوران عجلة الأزمات والآلام والمشاكل البريطانية.


[1] https://www.ntv.com.tr/dunya/ingilterede-2-demir-leydi-donemi-1-5-ay-surdu-liz-truss-kimdir-neden-istifa-etti,ea5TjcAgZUSlggjyDsVBKQ

[2] https://tr.euronews.com/2022/10/20/ingiltere-basbakani-liz-truss-gorevinden-istifa-etti

[3] https://www.reuters.com/world/uk/uks-truss-sorry-mistakes-im-sticking-around-2022-10-17/

[4] https://www.aa.com.tr/tr/dunya/ingiltere-siyasi-istikrarsizligin-golgesinde-1-yilda-3uncu-basbakanini-bekliyor/2717201

[5] https://per.euronews.com/2022/10/25/united-kingdom-charles-iii-receives-rishi-sunak-to-appoint-him-prime-minister

[6] https://russian.rt.com/world/news/1038271-inflyaciya-velikobritaniya-god?utm_source=yxnews&utm_medium=desktop

[7] https://www.kommersant.ru/doc/5514528

[8] https://www.vedomosti.ru/politics/articles/2022/10/24/947095-rishi-sunak-stanovitsya-novim-premerom-velikobritanii

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال