بعد سنوات من التهميش لمكانة السعودية ومعاملتها من الجانب الأميركي كمحمية مكلفة بضخ النفط في الأسواق وتقديم الأموال لتغطية الحروب الأميركية، وصولاً لابتزازها في حرب اليمن بتوظيف الحرب في إضعاف محور المقاومة، وتحميل السعودية تبعات استمرارها وما فيها من جرائم وبشاعة إنسانية وجعل كل شحنة ذخيرة وسلاح سبباً للإذلال والتمنين، وانتهاء باعتبار الاتفاق مع إيران شأناً أميركياً على السعودية تلقي نتائجه فقط، أعادت الحرب في أوكرانيا وتداعياتها للسعودية المكانة التي فقدتها، فشعرت واشنطن بخطورة التموضع السعودي الجديد، سواء عبر رفض السعودية المشاركة في العقوبات على روسيا، أو في المضي قدما في الهدنة اليمنية، وفي الحوار السعودي الإيراني، وصولاً لرفض السعودية الاستجابة لدعوات أميركية للقيام بضخ مليون برميل من النفط يومياً منعاً لارتفاع الأسعار في ظل الأزمة الناجمة عن العقوبات على روسيا، فجاءت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المقررة في منتصف الشهر القادم تعبيراً عن هذا الاعتراف الأميركي المستجدّ بمكانة السعودية.
– ماذا سيعرض بايدن على السعودية وماذا سيطلب منها، هذا هو السؤال الذي ينتظر العالم معرفة الجواب السعودي عليه، لما يترتب على الجواب من رسم معادلات إقليمية ودولية جديدة، وفي الجواب يبدو واضحاً أن ثمة شيئاً واحداً سيقدمه بايدن للسعودية، وهو الاستعداد لتجاهل ملف اغتيال الصحافي جمال الخاشقجي كعائق أمام الاعتراف بشرعية جلوس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على العرش، وبالمقابل سيطلب ثلاثة أشياء، الأول هو انخراط سعودي كامل بعلاقة تعاون وتحالف مع كيان الاحتلال أمنياً واقتصادياً وسياسياً، بجعل السعودية قوة الدفع باتجاه التطبيع مع الكيان دون اي حل يعيد أي حقوق للشعب الفلسطيني، ما يعني وضع السعودية في مواجهة الحقوق الفلسطينية وتحميلها مسؤولية ضياع هذه الحقوق، وتقديمها مجرد أداة لحماية العدوانية الإسرائيلية على الفلسطينيين، والثاني تجميد كل الخطوات الحوارية مع إيران وسورية وانتظار مسارات العلاقة الأميركية بكل من إيران وسورية. وهذا يعني جعل السعودية جائزة الترضية لـ «إسرائيل» إذا قررت واشنطن توقيع الاتفاق مع إيران، وتحويل السعودية الى قاعدة المواجهة مع إيران إذا قررت واشنطن العكس، والثالث هو أن تقوم السعودية بضخ كل الكميات اللازمة من النفط لضمان تخفيض سعر البرميل إلى ما دون سعر المئة دولار، للحد من تداعيات الحرب مع روسيا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدول الغرب، وهذا يعني جعل السعودية كبش محرقة في الحرب مع روسيا، ومجرد خزان نفط وكيس مال في حروب اميركا.
– في الحصيلة يعرض بايدن على الرياض أن تقايض استعداده للجلوس مع ولي العهد، بأن تكون كيس رمل يتلقى الضربات بالنيابة عن واشنطن، في ثلاثة حروب فاشلة تخوضها إدارة بايدن، حرب بوجه روسيا، وحرب بوجه إيران، وحرب لتعويم «إسرائيل»، وهذا يعني وعداً لولي العهد باعتراف قد لا يبصر النور، فخسارة أميركا لهذه الحروب مؤكدة، وتحويل السعودية الى واجهة فيها سيعني تدفيعها ثمن الخسارة قبل أن تصل التداعيات الى واشنطن، وجعل خصوم واشنطن والمستهدفين بحروبها يضعون المواجهة مع السعودية في سلم أولوياتهم، فهل سيمتلك صناع القرار في الرياض شجاعة رفض العروض الأميركية، أو على الأقل حق التفكير بما يمثل المصلحة السعوديّة بنصف استجابة مشروطة، مثل ربط العلاقة بالكيان بشروط المبادرة السعودية، والتمسك بفصل سوق النفط عن السياسة وإخضاعها لمقتضيات السوق، واعتبار التهدئة والاستقرار في الإقليم مصالح سعودية حيوية؟
– في صيف عام 2012 كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدّث للسلك الدبلوماسي، فقال لهم، لقد اختبرنا أميركا عندما تنكث بوعودها وتستشعر القوة فتتعمّد الإذلال، واستنتجنا أن أميركا الجيدة هي أميركا الضعيفة، فهل استنتج السعوديون الشيء نفسه، وهل سيعلمون بناء عليه، ولو من موقع الذكاء والحنكة في لحظة دولية اقليمية حرجة لا يضع فيها العقلاء رؤوسهم أمام العاصفة، ويتدبّرون الحيل لشراء الوقت للتملص من الالتزامات؟
ناصر قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال