لا تزال الولايات المتحدة الامريكية، تعيش حالة من التخبط، منذ أعلن تحالف “أوبك +” ــ وهو تكتل من الدول المنتجة للنفط بقيادة روسيا والسعودية ــ أنه سيخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا. شكلت هذه الخطوة صفعة قوية وجهتها هذه الدول للبيت الأبيض، بالرغم من الزيارة المذلة للرئيس الامريكي جو بايدن للسعودية في تموز/ يوليو الماضي محاولاً تعزيز العلاقات بين البلدين، ليلجأ بعدها إلى استخدام مخازن الاحتياط الاستراتيجي النفطي الأميركي لأغراضه السياسية الخاصة عبر إعلانات تسمح باستخدامه.
وفي تدبير يهدف إلى التخفيض من أسعار الوقود قبل اسبوعين أو أقل، من توجه الناخبين القلقين من ارتفاع التكاليف إلى صناديق الاقتراع اعلن بايدن في 19 الجاري، عن إطلاق آخر للنفط من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، بمقدار 15 مليون برميل، والذي تزامن مع تعرض الديمقراطيين لهجمات الجمهوريين على التضخم وارتفاع التكاليف أثناء محاولتهم إقناع الناخبين بأن سياسات بايدن الاقتصادية تضر بأموالهم، فضلاً عن انتقاد خطوات المس بالاحتياط الاستراتيجي النفطي، حيث تظهر استطلاعات الرأي في أميركا بانتظام أن الاقتصاد وتكلفة المعيشة على رأس اهتمامات الناخبين بهامش واسع مقارنة بقضايا اخرى، فيما جهد الرئيس بايدن يائسا ان يلقي الى حد كبير بتبعية زيادات تكاليف فاتورة النفط ــ وما رافق ذلك، من نقص في الوقود وانقطاع في الإمدادات الذي أعقب ذلك ــ على العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا والتحريض على موسكو.
ما هي احتياطيات النفط الاستراتيجية؟ وكم تبلغ الكميات التي تمتلكها الولايات المتحدة حاليا؟
إن الاحتياطيات الاستراتيجية النفطية الأميركية هي عبارة عن مئات الملايين من براميل النفط مخبأ معظمها في كهوف الملح في تكساس ولويزيانا. ولدى الولايات المتحدة هذه الايام ما يقرب من 400 مليون برميل من الاحتياطي بحسب المسؤولين في إدارة بايدن “كليف ر. ووتسون جونيور”، و”إيفان هالبر”.
انطلقت فكرة الاحتياطي الاستراتيجي في سبعينيات القرن الماضي، في اعقاب أزمة الطاقة التي ضربت العالم، بعدما عمد العرب الى وقف امدادت النفط الى الغرب بما فيه امريكا، وذلك ردا على العدوان الاسرائيلي على سوريا ومصر في العام 1973، ففي تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة تعمتد كليا على نفط الشرق الأوسط.
اما حاليًا، فيبلغ الاحتياطي الأمريكي أدنى مستوى له منذ 40 عامًا، لكنه بعيد عن أن يكون فارغًا كليا، إذ تقدر الطاقة الاستيعابية لهذه الخزانات الاحياطية، بحوالي 800 مليون برميل.
ومع ذلك، تعرضت ادارة بايدن لانتقادات شديدة، إذ كان عليها أن تبدأ في ملء الاحتياطي بدلاً من الاستمرار في السحب منه. زد على ذلك، ان هذه الادارة، احجمت عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تضغط على لجم ارتفاع أسعار الغاز.
متى يتم استخدام هذه الاحتياطات النفطية الاستراتيجية؟
في الحقيقة، ان الغاية من استخدام هذا الاحتياطي الضخم، هي فقط الاستفادة منه عند وقوع أزمات حقيقية او كوارث طبيعية أو حرب عسكرية، وليس في كل مرة ترتفع فيها الأسعار. اي انه يعتبر بمثابة بوليصة تأمين لامريكا لقطع الطريق على ايي دولة قد تشهر سلاح النفط ضد الولايات المتحدة في اي وقت.
أكثر من ذلك، خلال التاريخ الحديث فتحت الولايات المتحدة مخازن احتياطياتها النفطية مرات عديدة اثناء حرب الخليج الثانية 1990، وبعد إعصار كاترينا في العام 2005، عندما أطلق الرئيس جورج دبليو بوش 11 مليون برميل من النفط. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أطلق بايدن 50 مليون برميل من النفط في محاولة لخفض أسعار الوقود في امريكا. وفي آذار/ مارس 2022، أعلن ايضا عن إطلاق 180 مليون برميل من النفط للغاية ذاتها.
كم يبلغ استهلاك الولايات المتحدة من لوقود يوميًا؟ هل استخدام هذه الاحتياطيات سيحدث فرقا؟
على الورق، المعادلة هي أن المزيد من النفط في السوق سيعني انخفاض الأسعار. لكن الولايات المتحدة تستخدم نحو 20 مليون برميل من النفط يومياً. ولهذا يستبعد “ميغ جاكوبس”، خبير الطاقة ومؤلف كتاب “الذعر عند المضخة” حدوث اي تأثير ايجابي على مستوى الاسعار، لأن استهلاكنا مرتفع للغاية.
علاوة على ذلك، يشير خبراء الطاقة، إلى أنه عندما تقترن احتياطيات النفط الاستراتيجية بأدوات أخرى، يمكن أن تخفض أسعار الوقود، مثل قيام الحكومة بتشجيع الناس على استخدام كميات أقل من النفط، او ان يحث بايدن الدول الأخرى التي لديها احتياطيات نفطية استراتيجية على إطلاق البراميل في السوق العالمية.
وعليه، يقترح هؤلاء الخبراء بعض الحلول لخفض أسعار الوقود، وفي مقدمتها مبادرة الحكومة الى تشجيع الشركات الاميركية على زيادة إنتاج النفط في الحقول الأميركية. وهذا ما حاول بايدن فعله في شهر آذار/ مارس الماضي، إذ إن “الكثير من الشركات لا تقوم بدورها، وتختار تحقيق أرباح غير عادية، فضلا عن استغلالهم للامريكيين، من دون القيام باستثمارات إضافية للمساعدة في العرض، لذا طلب بايدن من الكونغرس أن يجعل شركات النفط تدفع رسومًا، إذا كانت تحتفظ بتصاريح للتنقيب على الأراضي الفيدرالية، ولم تكن تنشط في حفر النفط من الآبار الموجودة هناك.
هل سيؤدي إطلاق كمية من الاحتياطيات الاستراتيجية، الى خفض الاسعار؟
يرى بعض المحللين، إن الفائدة الحقيقية من احتياطيات النفط هذه ليست نقدية فقط، بل نفسية أيضًا، الهدف منها اشعارالشعب الامريكي أن حكومتهم تفعل شيئًا لخفض تكاليف الطاقة، أو كما لو أن بايدن يتخذ إجراءات ملموسة لمساعدة الأمريكيين على شراء الوقود قبل أيام قليلة من يوم الانتخابات، وكذلك هي “قوة للبلاد” بحسب خبراء الطاقة المعاصرين لأزمة السبعينيات النفطية ابان حرب تشرين التحريرية.
زد على ذلك، تعد احتياطيات النفط هذه، سلاحًا ضد روسيا. وتبعا لذلك يصف قادة واشنطن هذا الاحتياطي الاستراتيجي بانه جزء من ترسانة امريكا، وقد صمم خصيصًا لهذه الأنواع من المواقف، أي الأزمات الكبرى.
ما هي سلبيات استخدام احتياطي النفط؟
يوضح خبراء الطاقة ان هناك العديد من الآثار السلبية نتيجة اللجوء المتكرر للاحتياط الاستراتيجي التي ستضر بامريكا وتستنزفها، ويمكن ايجازها بالاتي:
1ـ سيؤدي هذا الاجراء الى خفض كمية النفط التي يمكن سحبها في أي أزمة مستقبلية. وبالتالي يتطلب هذا الامر بناء احتياطي من الحكومة، لشراء المزيد من النفط ، وقد يستغرق ذلك سنوات.
2ـ التداعيات المدمرة لهذه الخطوة على المناخ. فدعاة حماية البيئة، يريدون من الولايات المتحدة أن تنقب وتستهلك كميات أقل من النفط وليس أكثر. وتبعا لذلك، حاول بايدن مواجهة هذا النقد بالقول إنه سيستند إلى قانون يُعرف باسم قانون الإنتاج الدفاعي، لجعل الشركات الأمريكية تتجه نحو صناعة السيارات الكهربائية وبطارياتها واعتمادها كبديل عن تلك العاملة على الوقود. (القيادة هي السبب الأول الذي يجعل الأمريكيين يستهلكون الكثير من النفط).
3ـ كيفية تعامل بايدن على وجه التحديد مع هذه الاحتياطات. فاللجوء الى مخازن النفط الاستراتيجية كما يجزم الخبراء، قد لا يغير أسعار النفط بشكل كبير على المدى القصير أو الطويل، لأنه من الصعب أيضًا معرفة مدى ارتفاع الأسعار بدون النفط الإضافي، لذلك إذا كان الأمريكيون لا يزالون يعانون من ارتفاع الأسعار نسبيًا، فقد لا يلاحظون ما إذا كانت الاحتياطيات تقلل الضرر على جيوبهم.
في المحصلة، بايدن ليس لديه العديد من الأدوات الأخرى تحت تصرفه لتغيير أسعار النفط، على الرغم من أنه يزعم الحفاظ على البيئة. ولكن حتى مع استقرار أسعار الغاز في أجزاء من اميركا، فإنها تظل مرتفعة جدًا في بعض ساحات المنافسة الرئيسية فيها، مما يزيد من التحديات التي يواجهها الديمقراطيون في الانتخابات المقبلة.
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال