عودة الخط الساخن السوري السعودي… آمال وتطلعات نحو الاستقرار السياسي في المنطقة
غياب سورية عن أشقائها قد طال، وحان الوقت الى عودتها إليهم، وإلى محيطها العربي، وأن تطوي الدول صفحة الخلاف ونبذ الفرقة، بعيداً عن الانقسامات التي يشهدها النظام العربي.
إن غياب سورية عن أشقائها قد طال، وحان الوقت الى عودتها إليهم، وإلى محيطها العربي، وأن تطوي الدول صفحة الخلاف ونبذ الفرقة، بعيداً عن الانقسامات التي يشهدها النظام العربي، وعليه عينت الرياض “فيصل بن سعود المجفل”، سفيراً لها في سورية لأول مرة منذ 12 عاماً في خطوة أخذت صداها في التحليلات العربية والغربية،
ولم يكن قرار الرياض استئناف علاقاتها مع دمشق وليد اللحظات الأخيرة، بل سبقته سلسلة إشارات؛ بدءاً بزيارات لشخصيات سورية مقرّبة من الرئاسة السورية إلى السعودية، مروراً بتصريحات صدرت عن مسؤولين رفيعي المستوى في دمشق والرياض، وصولاً إلى قرار عودة العلاقات الدبلوماسية.
إن عودة العلاقات السورية السعودية يخدم مصالح الدولتين، وينعكس إيجابياً بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، كون كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.
كما أن إعادة العلاقات "سورية والسعودية" تمثل في الظروف الحالية حاجة استراتيجية للطرفين، فهما طرفان يتكامل فيما بينها، على الأقل اقتصادياً، والتنسيق بينهما سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن إلى جانب أنه سيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، ومنطلقاً للتأسيس لحال من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.
مما لا شك فيه ومن القراءة السياسية والتاريخية والمبدئية لسورية فإن سوريا تريد العرب وهي جزء من العالم العربي، وسوريا غفرت للعرب كل الموبقات التي ارتكبت فيها من تكفير وقتل وفتاوى، وكانت الأموال تجمع بالعلن في كل دول الخليج الفارسي، وسوريا تناست كل هذا، وهو ثمن كبير يجب على العرب أن يقدروه وأن يعترفوا به، فسوريا تريد من العرب وقف التآمر عليها ووقف الإرهاب ومساعدتها على استمرار تحرير أراضيها من الاحتلال التركي والأميركي وتواجد الجماعات الإرهابية في إدلب وغيرها، وهي في النهاية تتلقى دعما لوجستيا تركيا وتمويلا قطريا وربما من أطراف أخرى ووقف هذا الأمر سيؤدي إلى نهاية القسم الأكبر من المشكلة في سوريا وهذا هو المطلوب، والعرب عندما يبادرون فهم الذين يكسبون والسوريون كذلك وفي هذا خير للجميع.
بدا جليا من السياق السياسي للسعودية أن إعادة تطبيع العلاقات السعودية -السورية يقع ضمن سياق محاولة الأولى ترميم كل علاقاتها الخارجية التي انتكست بعد عهد التبعية العمياء للإدارة الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الذي غطّى على تهوّرات الدبلوماسية السعودية مع جيرانها من قطر إلى اليمن وتركيا فإيران.
وخلال العام الماضي عندما عادت دمشق إلى جامعة الدول العربية كان بمثابة اعتراف دبلوماسي سعودي وخليجي بالفشل. وفي 18 فبراير من العام الماضي خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أنه لم يعد هناك أي طريق واضح لإزاحة الأسد، كما صرّح حينها: “لدينا جميعًا سياسات، لكن ليس لدينا أي استراتيجية لتنفيذ تلك السياسة”، وتابع “لا نملك جميعا طريقا نحو تحقيق الأهداف القصوى التي لدينا.”
كما تدرك السعودية جيداً أن موافقتها على القطيعة مع سورية كانت متسرعة وغير مجدية، وهي تحاول الآن بشكل أو بآخر أن تستعيد مواقفها وإعادة النظر بالسياسة التي أدت إلى القطيعة معها، تنبع أهمية عودة العلاقات بين البلدين من أجل مكافحة الإرهاب، وكذلك المصالح المشتركة للشعبين. كما تؤكد أن السعودية يجب أن تقوم بدورها الوطني وأن تكون في صف سورية ضد الإرهاب لا شريكة في المؤامرة عليها،
فالسعودية تشترك مع سورية في مواجهة التهديد الإرهابي باعتبارهما "في جبهة واحد"٬ وأنه من مصلحة الحكومة السعودية التعاون مع الحكومة السورية في مقاومة الإرهاب وتحصين أمن البلدين في مواجهته٬ وبالنتيجة فإن عودة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي سيؤدي إلى إثارة غضب أعداء سورية، الذين رحبوا سابقاً بضعف العلاقات بين الجهتين من أجل تحقيق مشروعهما في المنطقة.
في السياق ذاته إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهن بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق والدول العربية، وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات إيجابية وثابتة ومستقرة مع سورية، وعلى البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.
باختصار شديد، يجب أن تبقى دمشق والرياض على وئام ووفاق انطلاقاً من استيعاب دروس التاريخ أنه كلما كانت سورية والسعودية في خندق واحد، وموقع واحد متضامنتين فإن ذلك يحقق الأمن والاستقرار للمنطقة.
كما أن عودة العلاقات بين سورية والسعودية سيشكل صفعة جديدة للأعداء وهو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات وعاملاً أساسياً في قيادة الدفة العربية مع نهوض دمشق من جديد والتي ستكون الصخرة التي تتحطم عليها.
إن الخط الساخن الذي عاد بين دمشق والرياض، ينهي الكثير من المشاكل في المنطقة وليس في سوريا فقط. لأن العلاقات التاريخية كانت قائمة على التعاون والشراكة، واليوم مع عودة هذه العلاقات سيعود التعاون في حفظ سيادة واستقرار وأمن المنطقة.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال