من تحت قبة الشورى الذي يعبر عن تطلعات الشعب العماني، لا تزال سلطنة عُمان متمسكة بقانون مقاطعة الكيان الصهيوني ورفض التعامل معه رغم ما تتعرض له من ضغوط للحاق بالأنظمة التي طبعت علاقاتها السرية مع الاحتلال الصهيوني ونقلتها إلى العلانية.
حيث سادت حالة من خيبة الأمل والاستياء لدى الاحتلال الإسرائيلي عقب إحالة مجلس الشورى العماني مشروع قانون إلى اللجنة التشريعية والقانونية، يقضي بتوسيع مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي.
والتزمت السلطات الإسرائيلية الصمت حيال تحرك مجلس الشوري العماني، بشأن هذا التعديل القانوني. وبحسب ما تناقلته الكثير من المواقع الاسرائيلية عن حالة وجود ترقب المسؤولين في الكيان صدور قرار عن السلطات العُمانية يسمح بعبور طائرات مدنية إسرائيلية في أجوائها، للاستفادة من قرار سابق اتخذته السعودية في هذا الشأن، لتقليص وقت رحلاتها إلى شرق آسيا.
ورفضت سلطنة عُمان السماح للكيان الصهيوني بذلك ما جعل الخطوة السعودية غير عملية ولا يزال يتعين على الرحلات الجوية الصهيونية أن تأخذ مساراً أطول بكثير بطريقها إلى آسيا.
ووفق موقع “تايمز أوف إسرائيل”، فإن الجدل حول المقاطعة العُمانية لتل أبيب، قد يكون مرتبطاً بجهود إسرائيل لتأمين موافقة مسقط على تحليق الطيران المدني الإسرائيلي في أجواء الدولة الخليجية.
وفي الأسابيع الأخيرة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين، ادعاءاتهم حول “توجه” سلطنة عُمان إلى السماح لطائرات إسرائيلية بالتحليق في أجوائها للوصول إلى الشرق الأقصى.
في المقابل، لم تصدر السلطات العُمانية أي قرار معلن في هذا الشأن، الأمر الذي دفع إدارة الرئيس الأميركي، لممارسة ضغوط على سلطة عُمان، لدفعها إلى فتح أجوائها أمام شركات الطيران الإسرائيلية، وذلك من خلال سلسلة لقاءات عقدها مسؤولين أميركيين مع وزير خارجية سلطنة عُمان، بدر بن حمد البوسعيدي، في واشنطن، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
من جانبها ذكرت وكالة “واف” العمانية للأنباء أن “مجلس الشوري العماني أحال مشروع قانون تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة إسرائيل إلى اللجنة التشريعية والقانونية لاستيفاء الجوانب القانونية”.
الوكالة نقلت عن نائب رئيس مجلس الشورى العماني يعقوب الحارثي قوله إن التعديل المقترح يقضي بـ”توسع في التجريم وتوسع في مقاطعة هذا الكيان”.
ولفت إلى أن القانون في صيغته الحالية “يحظر التعامل مع الكيان الصهيوني” سواء للأفراد أو الشخصيات الاعتبارية. لكن أعضاء مجلس الشورى المتقدمين بالطلب “نظروا إلى التطور الحاصل سواء كان التقني أو الثقافي أو الاقتصادي أو الرياضي، واقترحوا تعديلات إضافية تتضمن قطع أي علاقات اقتصادية كانت أو رياضية أو ثقافية وحظر التعامل بأي طريقة أو وسيلة كانت سواء كان لقاء واقعي أو لقاء إلكتروني أو غيره”، بحسب الحارثي.
ولا توجد علاقات دبلوماسية بين الكيان الإسرائيلي وسلطنة عمان، لكن في السنوات الماضية جرت لقاءات إسرائيلية عمانية على مستويات رفيعة مختلفة، منها زيارة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأخرى لرئيسي الحكومة الإسرائيلية السابقين، يتسحاق رابين في 1994، وشمعون بيريس في 1996، حينما شغل الأخير منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة.
ويرى البعض أن قرار البرلمان العماني، يمثل “صفعة” لرئيس حكومة الاحتلال الجديدة بنيامين نتنياهو، الذي أكد مرارا عزمه على توسيع التطبيع مع تل أبيب وضم المزيد من الدول العربية والإسلامية إلى ما تسمى “اتفاقيات أبراهام”، حيث يعدّ ذلك أولوية بالنسبة له في المرحلة المقبلة وخاصة تجاه السعودية.
بدوره أكد خميس القطيطي -الكاتب والمحلل السياسي العماني- أن خطوة مجلس الشورى تعبر عن نبض العُمانيين الذين يرفضون التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
وأوضح أن الأصوات الشعبية في السلطنة ترفض التطبيع بقوة، وكذلك موقف المؤسسة الدينية المعارض “لأي تطبيع مع الاحتلال”، عادًّا أن الشعب العماني قدم رسالة واضحة عبرت عن موقفه.
وأكد أن قرار “الشورى” سيمثل صفعة للكيان الإسرائيلي الذي يحاول تمرير التطبيع مع السلطنة للاستفادة من الأجواء العمانية في تقصير الرحلات الجوية.
ويرى البعض الخطوة العمانية جاءت في أعقاب مونديال قطر الذي أظهر فشلًا ذريعًا للتطبيع وكيّ وعي الشعوب، وأظهر التعاطف والتضامن الواسع مع فلسطين.
حيث الأحداث الأخيرة في قطر شكّلت حالة من الخوف على مستقبل الكيان الإسرائيلي من رفض الشعوب العربية بصورة قاطعة لاتفاقيات التطبيع، وهذا ما ظهر بصورة واضحة من خلال كثرة التعليقات والتحليلات التي قدّمت في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن طريقة تعاطي الجماهير العربية في قطر مع المراسلين الإسرائيليين.
الخيبة والخوف من عدم انعكاس اتفاقات التطبيع على الشعوب العربية، ولاسيما التي وقّعت حكوماتها هذه الاتفاقيات، تحدث عنهما مراسل قناة “كان”، إيلي أوحانا، حين قال “أنا لا أستطيع أن أفسر هذا، هذا جنون وأمر لا يصدَّق”.
بالإضافة إلى ذلك، كتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ الأحداث، التي جرت على هامش كأس العالم في قطر، تُظهر أنه يوجد سقف زجاجي فيما يتعلق بمكانة إسرائيل الإقليمية ومضمون اتفاقات التطبيع.
أما صحيفة إسرائيل هيوم فقالت، من جهتها، إنّ “ما جرى في قطر صفعة مدوية على الوجه لمن يظن أن التطبيع مع الدول العربية الأخرى ليس سوى مسألة وقت”. كما لفتت الصحيفة إلى أن سلوك المواطن العربي العادي تجاه “إسرائيل” يؤكد ترسخ العداء الذي يزيد عمره على 70 عاماً، ويشير إلى أن “أصل المشكلة لا يزال حياً ويركل ويصفع بشدة”.
وعليه، تنتصر عُمان للشعب الفلسطيني وتصوب توسيع مقاطعة الكيان الإسرائيلي و تجهض التكهنات الاسرائيلة حيث باتت هذه الخطوة أكثر انسجاماً وتوافقاً بين موقفها الرسمي والشعبي، وأكثر حساسية لواقع محيطها الإقليمي والدولي؛ فمصالحها بعيدة المدى مع دول الإقليم والنظام الدولي تتناقض مع العلاقة مع كيان الإحتلال الإسرائيلي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال