بينما يحاول الکيان الصهيوني ضمان أمن حدوده الوهمية، من خلال خلق فجوة بين الجماعات الفلسطينية وإضعافها، فإن كل هذه التحركات قد أتت بنتائج عكسية، وتتجه الجماعات الفلسطينية المسلحة نحو تقارب أكبر.
على الرغم من أن فصائل المقاومة، من حماس والجهاد الإسلامي إلى المجموعات المنشأة حديثًا في الضفة الغربية، كانت تقاتل الاحتلال وحدها، إلا أن هذه المجموعات الآن في جبهة قوية وموحدة تسمى غرفة العمليات المشتركة، وما يحدث هذه الأيام في الصراع بين قطاع غزة والکيان الصهيوني، هو نتيجة للقرارات التي اتخذت في هذه العملية المشتركة، وتشكل غرفة عمليات المقاومة المشتركة حاليًا أحد أشكال الوحدة العسكرية والوطنية للفلسطينيين في مواجهة الكيان الصهيوني.
وأصبح دور غرفة العمليات المشتركة أكثر وضوحاً بعد اغتيال ثلاثة من قادة الجهاد الإسلامي واستشهاد العشرات، خلال اعتداء المقاتلات الإسرائيلية لقطاع غزة وما تلاه من رد صاروخي للمقاومة ضد الکيان.
منذ يوم الأربعاء الماضي(20 أيار)، تسلمت غرفة العمليات المشتركة قيادة الحرب مع الکيان الإسرائيلي، وأطلقت عملية "ثأر الأحرار" بإطلاق مئات الصواريخ على الأراضي المحتلة.
بدأت غرفة العمليات المشتركة نشاطها العسكري في معركة "سيف القدس" في أيار 2021، واستطاعت إجبار سلطات تل أبيب على الاستسلام بعد 11 يومًا وإلحاق خسائر جسيمة بالکيان الصهيوني، والآن بدأت عملياتها ضد المحتلين تحت إشراف حماس والجهاد الإسلامي.
إن وقوف فصائل المقاومة الفلسطينية متحدين ضد الاحتلال الإسرائيلي، هو نتيجة سنوات من الجهود المتواصلة لقادة المقاومة الذين حاولوا خلق تناغم أكبر بين جميع الفلسطينيين.
تشكلت النواة الأولية لغرفة العمليات المشتركة عام 2006، بنشر الصيغة الأولية من قبل مجموعتي "عز الدين قسام" الجناح العسكري لحركة حماس، و"سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
أقرت الوثيقة التأسيسية للغرفة المشتركة تشكيل جبهة مقاومة واحدة لمحاربة المحتلين، وتنسيق أنشطتها وتشكيل سلطة سياسية واحدة. أعلنت غرفة العمليات المشتركة رسمياً عن وجودها عام 2018 مع انطلاق "مسيرات العودة" في قطاع غزة، حتى يعرف الکيان أنه بعد الآن فإن المقاومة متحدة ولن تسمح باستمرار الاحتلال في الأراضي الفلسطينية.
الهدف من غرفة العمليات المشتركة هذه هو توحيد المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، والقيادة المشتركة للعمليات العسكرية والإعلان عن أنشطتها في وسائل الإعلام من خلال إصدار بيان واحد. وتحاول غرفة العمليات المشتركة تقوية مجموعات المقاومة الأخرى ضد الجيش الصهيوني، من خلال تزويدها بالسلاح وتدريب المهارات العسكرية.
تتكون غرفة العمليات المشتركة من 12 ذراعاً عسكرياً وهي: كتائب عز الدين القسام، سرايا القدس، كتائب شهداء الاقصى، لواء نضال العامودي، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، كتائب ناصر صلاح الدين، كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، كتائب أبو علي مصطفى وكتائب جهاد جبريل، كتائب الأنصار وكتائب المجاهدين ومجموعات أيمن جودة وجيش العاصفة.
وبعد مرور عام على إنشاء مركز القيادة هذا، أكدت كتائب القسام أن غرفة العمليات المشتركة إنجاز ثمين يمكنه توحيد القوى الفلسطينية، ومنع المقاومة من اتخاذ قرار مفاجئ.
كما أعلنت كتائب القسام في عام 2019: "في أوقات الحاجة، تقدم القوات العسكرية قدراتها إلى غرفة العمليات المشتركة التي تدعم الفصائل ومنظمات المقاومة منذ سنوات عديدة بمعدات عسكرية، لمواجهة الهجمات الإسرائيلية وحماية الجبهة الداخلية في غزة".
وفي تشرين الثاني 2018، وصف يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، الغرفة المشتركة بأنها تمثل نواة جيش التحرير الفلسطيني ونموذج للعمل المشترك ضد المحتلين.
غرفة عمليات المقاومة المشتركة، التي كانت نشطةً سابقاً في قطاع غزة، ستتعزز الآن بشكل أكبر مع الإعلان عن وجود مجموعات جديدة في الضفة الغربية، وستفتح جبهات عديدة أمام المحتلين.
نظمت غرفة العمليات المشتركة تدريبات من أجل زيادة مستوى جاهزية وقوة قواتها.
في نهاية كانون الأول 2020، أجرت غرفة العمليات المشتركة تدريباتها العسكرية الأولى تحت عنوان "القاعدة القوية" في قطاع غزة، والتي وصفها العديد من الخبراء حينها بأنها مقدمة لتشكيل الجيش الفلسطيني في المستقبل.
وفي هذه المناورات، أعلنت الفصائل الفلسطينية رسالتها الموحدة لقوات الاحتلال الصهيوني، للنظر في جميع الجوانب في أي صراع مع المقاومة.
في هذه المناورات التي أقيمت لأول مرة بحضور 12 فرعاً عسكرياً، شهدت مجموعات المقاومة، وهي تتدرب على الاستعداد، عملاً عسكرياً موحداً لأول مرة على شكل تدريبات.
ووصف قادة المقاومة في شرحهم لأهداف هذه المناورة، بأنها مناورة دفاعية لمواجهة الکيان الصهيوني ومساعدة الشعب الفلسطيني على تحقيق أهدافه الحقيقية والشرعية. وشملت هذه المناورة تنفيذ تدريبات برية وبحرية وجوية، واستخدام الذخيرة الحية تحت غطاء طائرات مسيرة حلقت فوق قطاع غزة، واختبار صواريخ باتجاه البحر.
وبعد ذلك بعام، عقدت غرفة العمليات المشتركة تمرينًا جديدًا بعنوان "القاعدة القوية 2"، والذي عقد في الوقت المناسب وفي إطار التدريب والاستعداد لمواجهة الاحتلال. وقد تم في هذه المناورة اختبار الصواريخ وتنفيذ عمليات التسلل إلى الأراضي المحتلة، والتدريب على كيفية أسر جنود الکيان من أجل الحصول على ورقة رابحة في قضية تبادل الأسرى.
وفي كانون الأول(ديسمبر) 2022، أجرت غرفة العمليات المشتركة تمرينها الثالث "القاعدة القوية 3"، والذي تضمن إطلاق النار والتدريب على مهاجمة المنشآت العسكرية والمباني السكنية في الأراضي المحتلة، وعمليات الإنزال والخطف خلف خطوط الکيان الإسرائيلي.
ويمكن رؤية آثار ونتائج هذه المناورات المشتركة بشكل واضح في المعارك الأخيرة في قطاع غزة، حيث سلبت فصائل المقاومة النوم من أعين الصهاينة بإطلاق مئات الصواريخ على الأراضي المحتلة.
في حديثه إلى "الخليج أونلاين"، يرى المؤلف والمحلل السياسي "طلال عوكل" أن غرفة العمليات المشتركة هي وحدة عسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتخطط لعمليات عسكرية ضد الکيان الإسرائيلي.
وحسب هذا المحلل العربي، فإن "أحد الأهداف الرئيسية للغرفة المشتركة هو منع الجيش الإسرائيلي من محاولة خلق فجوة بين فصائل المقاومة في قطاع غزة". هذا بينما حاول الکيان الصهيوني دائمًا الفصل بين حماس والجهاد الإسلامي في العقد الماضي، والدخول في معركة مع أحد أذرع المقاومة في غزة.
في الأيام الأخيرة أيضًا، خطط الکيان الإسرائيلي لاستخدام هذا التكتيك لإبعاد حماس عن ساحة المعركة، بل هدد باغتيال قادتها إذا تدخلت حماس في الصراع بين تل أبيب والجهاد الإسلامي.
لكن حتى هذه التحذيرات لا يمكن أن تؤدي إلى تعطيل وحدة الفصائل الفلسطينية، وحركة حماس تنفذ عمليات مشتركة جنباً إلى جنب مع إخوانها في الجهاد الإسلامي، وقد أقرّ قادة هذه الحركة بأنهم يعملون بشكل موحد، وأن القتال مع مجموعات عديدة في قطاع غزة جعل الأمر صعبًا على الصهاينة.
ولهذا السبب، لجأت سلطات تل أبيب إلی المصريين لإنقاذ أنفسهم من الحرب بوقف إطلاق النار. لكن على الرغم من جهود الاحتلال للهروب من ساحة المعركة، فإن فصائل المقاومة بقيادة غرفة العمليات المشتركة لا تخشى إطالة أمد الحرب، وأعلنت استعدادها لحرب تستمر عدة أشهر، بل إنهم قالوا إن إطالة المعارك ستفيد المقاومة التي نشرت الخوف والرعب في الأراضي المحتلة.
متطرفو الكيان الصهيوني لا يريدون استمرار الحرب، لأنها تفرض الكثير من التکاليف المالية والبشرية علی هذا الکيان، لكن بالنسبة لمجموعات المقاومة التي تتحين الفرص لقتال الکيان كل يوم، فإن المعارك الحالية تكسبهم الخبرة وتعزز قدراتهم العسكرية، وبالطبع فإنها تعتبر اختباراً كبيراً لغرفة العمليات المشتركة، لإظهار أن الوحدة هي مفتاح انتصار الفلسطينيين على الکيان الإسرائيلي.
الکيان الصهيوني، الذي استطاع تنفيذ خططه الاحتلالية بسبب وجود انقسامات طفيفة بين الفصائل الفلسطينية في العقود السبعة الماضية، يرى الآن أمامه جدارًا قويًا يسمى غرفة العمليات المشتركة للمقاومة، وهو أمر لا يمكن اجتيازه بسهولة.
لقد أدرك الفلسطينيون الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية، حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي لا يفهم سوى لغة القوة، ويحاولون تحقيق هدفهم النهائي بتحرير الأراضي المحتلة تحت راية مركز القيادة المشتركة، وتظهر نتائج التطورات أن هذا ليس ببعيد.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال