لأكثر من نصف قرن كان الأساس الحاسم للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين هو تمسّك الولايات المتحدة بمبدأ “صين واحدة”، ولكن بينما تواصل واشنطن القول إنها ملتزمة بذلك المبدأ تتصرف وكأن تايوان والبر الرئيسي هما دولتان وليس دولة واحدة.
إن قضية تايوان هي إرث للحرب الأهلية غير المنتهية في عام 1949، لكن البر الرئيسي الصيني وتايوان نجحا في التعايش السلمي منذ ذلك الحين، لكن وحدها الولايات المتحدة ما زالت تنتهج سياسة “الغموض الاستراتيجي”، وتبيع الأسلحة إلى تايوان، ولا تترك الجانبين بمفردهما عبر المضيق للعمل على مستقبل تايوان.
لقد بات من الواضح أن التوترات الاقتصادية والعسكرية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة جاءت نتيجة لمحاولة الولايات المتحدة الاستفادة من ميزة خارج قضية تايوان، وهي الطريق إلى الحرب، وما لا يستطيع الأمريكيون فهمه هو الأزمة في العلاقات الأمريكية الصينية التي خلقتها زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان، وما يدركونه فقط هو أن الصين تبالغ في ردّها على تلك الزيارة.
وأما بالنسبة للصين تعدّ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي التي تحتل المرتبة الثانية في الخلافة الرئاسية إلى تايوان انتهاكاً متعمداً لمبدأ “صين واحدة”، تمّ تصميمه لإظهار دعم الولايات المتحدة لاستقلال تايوان.
لقد فهم الرئيس جو بايدن والقادة العسكريون الأمريكيون ذلك، وأوصوا رئيسة مجلس النواب بيلوسي بعدم زيارة تايوان قائلين إنها ليست فكرة جيدة، كما حذرت الصين مراراً وتكراراً قبل رحلتها من أن تلك الزيارة ستنتهك مبدأ الصين الواحدة، وتدخل بشكل شنيع في الشؤون الداخلية للصين، وتضرّ بعلاقة تايوان مع البر الرئيسي الصيني، وتسبّب أزمة في علاقة الصين بالولايات المتحدة.
رغم ذلك، أصرّت بيلوسي على المضي قدماً في زيارتها، والتي كانت خطوة غير حكيمة تضرّ بالمصالح الاقتصادية والأمنية للناس ليس فقط في الجزيرة، ولكن أيضاً في البر الرئيسي الصيني والولايات المتحدة.
إن تأثير صانعي السياسة والقوات العسكرية في الولايات المتحدة على تجاهل مبدأ الصين الواحدة أمر متوقع، وسوف يقوّض قدرة الصين والولايات المتحدة على التعايش السلمي، الأمر الذي سيكون كارثياً على العالم.
قد لا يهتمّ القادة السياسيون الأمريكيون، مثل رئيسة مجلس النواب بيلوسي، أو يدركوا مدى أهمية التعايش السلمي مع الصين للأمن الاقتصادي للولايات المتحدة حتى تندلع الحرب، فالتعايش السلمي بين الولايات المتحدة والصين يشبه ذلك الجدار الذي منع الحرب العالمية الثالثة، ويعدّ أمراً حاسماً للولايات المتحدة والبر الرئيسي الصيني، ونجاحاً اقتصادياً ليس لتايوان فحسب، وإنما للاقتصاد العالمي وقدرة الأنظمة المالية والتجارية على الاستمرار في العمل.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال