غموض وأخطاء استراتيجية للولايات المتحدة في احتلال أفغانستان 23

غموض وأخطاء استراتيجية للولايات المتحدة في احتلال أفغانستان

مع إكمال الخروج الكارثي للقوات الامريكية في أفغانستان، فإن المتابعين قاموا بدراسة أسباب احتلال هذا البلد والأخطاء التاريخية والاستراتيجية للولایات المتحدة الأمریکیة في أفغانستان.

يمكن تقسيم النهج الخاطئ للولايات المتحدة تجاه أفغانستان إلى مجالات سياسية – عسكرية – أمنية، اقتصادية وثقافية – واجتماعية. أدى الجمع بين تلک الأساليب الثلاثة الخاطئة للولايات المتحدة إلى الوضع الحالي في أفغانستان وخلقَ شرخًا أمنيًا وعسكريًا واجتماعيًا في هذا البلد.

يتضمن ملخص لبعض الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها أمريكا، ما يلي:

  • الاستراتیجیة السیاسیة-العسکریة والأمنیة الخاطئة لأمریکا والناتو فی أفغانستان

إن فشل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى في وضع خطة واستراتيجية احترازية على شكل خطة بديلة عندما فضلّت طالبان التفاوض هو حقيقة لا يمكن إنكارها. ولكن هذه الفضيحة لم تحصل نتيجة الفشل الاستخباراتي بل کانت نتيجة الوثوق بتحقق أفضل سيناريو وغض النظر عن أسوأ الاحتمالات. حالیاً تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو بجد للتعامل مع السلطات والحكام الأفغان الجدد، ويبدو أن سيطرة طالبان الكاملة على أفغانستان لم تكن متوقعة في خططهم وسيناريوهاتهم، أو كان من المتوقع أن يحدث لاحقًا. من الواضح الآن أن استراتيجية زلماي خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص والبشتون في أفغانستان، كانت معيبة وغير مدروسة، وتسعى فقط لتعبید الطريق للانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة خسرت ورقة المساومة الرئيسية ضد طالبان قبل الجلوس على طاولة المفاوضات. والأخطر من ذلك هو حقيقة أن الاستراتيجية راهنت على طالبان، وقادت المفاوضات على افتراض أن المجموعة كانت مهتمة أكثر بإنهاء الحرب من خلال المفاوضات ولم تعد مهتمة بالحرب المسلحة والميدانية وبدرجة أقل بالسعي لتحقيق النصر العسكري.

قوبل الوجود المحتل للقوات الغربية في أفغانستان بعدم اکتراث الشعب الأفغاني ومعارضته. في الواقع، إذا لم تقوض الحرب الأهلية الأفغانية معنويات الشعب الأفغاني، وإذا كانت هناك قوة محلیة وشرعية تحكم أفغانستان، لَما كان الشعب الأفغاني مستعدًا لقبول قوات احتلال أجنبية على أراضيهم. كانت القوات الغربية، من ناحية، قوة كلاسيكية ذات خبرة قليلة في حرب العصابات، ومن ناحية أخرى، كانت غريبة عن البيئة المیدانیة والجغرافية لأفغانستان، حتى بعد عشرين عامًا من الوجود.

لمعالجة المشكلتين المذكورتين أعلاه، فضلاً عن معالجة الظاهرة الفاشلة لبناء الدولة في أفغانستان، وضعت الولايات المتحدة على جدول الأعمال تشكيل الجيش الأفغاني والشرطة الوطنیة. ساعدت هذه الخطوة الولايات المتحدة والقوات الغربية على استخدام قوات الأمن الأفغانية كخط أمامي في ساحة المعركة  ل‍”أفغنة” الحرب فی البلاد. لكن لأسباب غير معروفة، لم تأخذ الولايات المتحدة عملية تشكيل جيش وطني في أفغانستان على محمل الجد.

واجهت القوات المحلية والأفغانية، التي درّبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو، مشکلة الرواتب والمزايا والمعدات. هذه القوات، على الرغم من اختيارها، كانت ذات توجه عرقي قوي ضمن نفس السياق التقليدي والثقافي لأفغانستان، وكانت أكثر ولاءً لشعبها وأقاربها من مفهوم جديد يسمى الأمة والدستور.

تلک الأمور ساعدت علی اعتبار عدم تکوین الجیش الوطنی بمثابة عنصر لتعاظم قوة طالبان والنتیجة النهائیة لهذا الأمر ظهر فی التسلیم المتسارع والمتتالی للولایات إلی قوات طالبان.

2) الإستراتيجية الاقتصادية الأمريكية غير المدروسة في أفغانستان

خصصت الولايات المتحدة وحلفاؤها مساعدات لإعادة بناء اقتصاد أفغانستان؛ لكن المساعدات لتطوير البنية التحتية الاقتصادية لأفغانستان بالنسبة للأمن والجيش كانت خاطئة للغاية وغير متوازنة.

قدمت الولايات المتحدة من عام 2002 إلى عام 2020، ما يقارب ال‍ 88 مليار دولار من المساعدات الأمنية، و 36 مليار دولار من المساعدات المدنية، بما في ذلك 787 مليون دولار على وجه التحديد لدعم النساء والفتيات الأفغانيات، وحوالي 3.9 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لأفغانستان.

أهمية أفغانستان في الإستراتيجية الأمريكية؛ كان التوجه عسكرياً وأمنیاً ​​وليس اقتصادياً. والسبب في ذلك واضح إلى حد ما. لأن أفغانستان كانت دائمًا ذات قيمة جغرافية استراتيجية لواشنطن، وليست جغرافية اقتصادية.

 

بالنسبة للولايات المتحدة، كانت أفغانستان مهمة فقط كقاعدة عسكرية ومنطقة يمكن من خلالها التحكم في سلوك منافسيها، بما في ذلك روسيا والصين. كانت أفغانستان رافعة يمكن استخدامها للتحكم في خطوط نقل الطاقة وطرق التجارة من الصين إلى الشرق الأوسط، لاستخدامها في إعادة إنتاج خطوط النقل هذه، ومراقبة سلوك الدول ذات المصالح المتضاربة مع الولايات المتحدة. إن قلة الاهتمام بالقطاع الاقتصادي والأولوية المعطاة لقطاع الأمن، دون أي نتيجة محددة، كان بمثابة تناقض بنيوي في سياسات الولايات المتحدة واستراتيجياتها في أفغانستان، ویُعد هذا الأمر جزء من عدم نجاح عملية بناء الدولة والأمة.

 

3) السياسة الثقافية الخاطئة للولايات المتحدة في أفغانستان

ووفقًا للولايات المتحدة وحلفائها، كان التخلّف الثقافي لهذا المجتمع أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الأزمة في أفغانستان. جادل المفكرون في مراكز الفكر الغربية بأنه في ظل غياب الثقافة الحديثة والتقدمية، فإن الثقافات التقليدية تستقطب المجتمع وتجبر المجموعات العرقية على الاصطفاف ضد بعضها البعض.

من هذا المنظور، سعت الولايات المتحدة لتحطيم العديد من القيم والمعتقدات التقليدية للمجتمع الأفغاني واستبدالها بظواهر ثقافية جديدة وحديثة. وسائل الإعلام، وخاصة الإذاعة والتلفزيون، كانت أدوات مهمة لخلق هذا التفکک الثقافي. لهذا السبب، ومنذ عام 2001، شهدنا انتشار شبكات الإذاعة والتلفزيون فضلاً عن شعبية أجهزة استقبال الأقمار الصناعية في أفغانستان.

كانت قناة «طلوع» أهم القنوات التلفزيونية وأكثرها مشاهدة في أفغانستان، والتي تم إطلاقها بالتعاون مع معهد USaid في أفغانستان وكان هدفها الأساسي تعزيز القيم الحديثة، وخاصة القيم الأمريكية.

كانت الفكرة القائلة بأن القيم الثقافية الغربية تعمل على تحويل المجتمع الأفغاني من الثقافة التقليدية إلى الثقافة الحديثة أو سد الفجوات الثقافية في المجتمع الأفغاني فكرة خاطئة وأدت إلى تشكيل معارضة شعبية كبيرة لهذه العملية.

لتفسير هذا الخطأ، يكفي الإشارة إلى رد فعل المجتمع العرقي والقبائل في أفغانستان، وخاصة البشتون، على البرامج الثقافية للقنوات التلفزيونية الموجودة في أفغانستان. هذه الشبكات، ومن خلال بث برامج غربية وعرض صور مخالفة للعادات والثقافة السائدة في أفغانستان، أغضبت عملياً المجتمع الأفغاني التقليدي، والبشتون علی وجه الخصوص، وهم العنصر الرئيسي لجنود طالبان.

ومن المثير للاهتمام أن السياسات الثقافية لطالبان، والتي تتعارض تمامًا مع السياسة الثقافية الأمريكية في أفغانستان، لاقت ترحيباً متزايدًا في المجتمع القبلي في أفغانستان، على الرغم من العديد من أوجه القصور.

وكانت النتيجة معارضة واضحة للسياسات الثقافية الأمريكية وأداة للاهتمام الضمني بالسياسات الثقافية لطالبان في المجتمع الأفغاني. أدى هذا تدريجياً إلى زيادة القاعدة الاجتماعية لطالبان، خاصة في مناطق البشتون في الجنوب والجنوب الشرقي، وقلّص القاعدة الاجتماعية الأمريكية.

أصبحت المعارضة الثقافية للوجود الأمريكي أعظم ثروة معنویة لطالبان وأحد العوامل الرئيسية في نجاحها في الاستيلاء دون معاناة على مساحات شاسعة من الأراضي الأفغانية وخلق الوضع الراهن.

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال