فرنسا العجيبة! 47

فرنسا العجيبة!

أقيمت المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية في فرنسا خلال الأيام الماضية، وشهدت هذه الجولة من الانتخابات مفاجأة كبيرة. فقد واجه ائتلاف اليسار إقبالاً واسعاً وتمكن من الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان، رغم أنهم حصلوا على نحو 200 مقعد من أصل 577 مقعدًا، إلا أنهم لم يتمكنوا من تحقيق الأغلبية المطلقة. ربما كانت أكبر مفاجأة في هذه الانتخابات هي انتصار اليسار، وهو أمر لم يتوقعه الكثير من الخبراء.

أسبوع مصيري
بعد فوز اليمين في الجولة الأولى من انتخابات البرلمان الفرنسي، نشأت موجة من القلق في فرنسا وأوروبا. كانت نتيجة هذه الموجة هي اتحاد الأحزاب اليسارية والوسطية والليبرالية والخضر، مما حال دون تحقيق اليمين المتطرف للإقبال الكافي، وأصبح اليسار وحزب الرئيس ماكرون القوة الثالثة في البرلمان. بالإضافة إلى ذلك، حدوث تغيير في سجل المشاركة في الانتخابات الفرنسية الذي لم يتغيير منذ الثمانينيات، حيث تم تسجيل مشاركة قريبة من 70% في هذه الانتخابات، مما يدل على قلق المجتمع الفرنسي بشأن مستقبله السياسي.

تعكس هذه النسبة من المشاركة بوضوح أن المجتمع الفرنسي لا يزال يفضل الطرق المعتدلة والمحافظة أكثر من الطرق المتطرفة، وقد كانت بمثابة ردّ كبير على اليمين المتطرف. تعتبر هذه النتيجة ذات قيمة كبيرة لأوروبا ولدول الاتحاد الأوروبي. كما إن موقف رئيس وزراء بولندا وإعلانه عن ارتياحه لهزيمة اليمين المتطرف يدل على أهمية هذه المسألة لدول الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت ذاته، يجب عدم تجاهل أن حزب السيدة لوبن حصل على نحو 140 مقعدًا، مما يعد أمرًا مهمًا بالنسبة لهم. في الدورة السابقة، كان لديهم فقط 89 مقعدًا، وهذا النمو يعني أن المجتمع الفرنسي يتحرك نحو اليمين المتطرف، مما يمكن أن يؤدي إلى تحديات كبيرة لكل من فرنسا وأوروبا وحتى النظام الدولي.

لذلك، كما أشار القادة الفائزون من اليسار في خطاب النصر، فإن هذا انتصار مؤقت وعابر، ويجب استغلال هذه الفرصة لإعادة إحياء فرنسا.

فرنسا في مأزق؟
هذه الانتخابات، بعيدًا عن كونها حدثً نادرًا، حيث حقق اليسار انتصارًا ملحوظًا، تشير أيضًا إلى عدم الوحدة بين الفرنسيين. فحقيقة أنه ولا حزب استطاع الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان، وأن الحكومة القائمة جاءت في المرتبة الثانية، تعقد الأمور السياسية في فرنسا أكثر من أي وقت مضى.

في الواقع، ستزيد هذه الانتخابات من الانقسامات السياسية بين الأحزاب، مما يعد علامة على عدم رضا جزء كبير من الشعب الفرنسي عن أداء الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن توزيع أصوات الناخبين وعدم وجود تيار مسيطر مرة أخرى يظهر أن فرنسا بحاجة إلى قيادة ملهمة في الأيام الصعبة، وهو ما لم يتمكن السيد ماكرون من تحقيقه، ومن وجهة نظر الفرنسيين هو ليس قائدًا كبيرًا، وهذه الانتخابات أكدت ذلك مرة أخرى.

يبدو أن الفرنسيين، من خلال تصويتهم لصالح اليسار، يعبرون عن استيائهم من الحكومة، وهو استياء قد يتجلى في الانتخابات الرئاسية القادمة من خلال التصويت لصالح اليمين المتطرف إذا لم يتم الاستماع إليه ولم تتحرك الحكومة الفرنسية نحو تلبية مطالب الشعب.

لذلك، تحتاج حكومة السيد ماكرون إلى التعاون مع الأحزاب الفائزة، ويجب أن تعيد النظر في بعض السياسات التي تنوي تنفيذها. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنه يتعين على الحكومة الفرنسية اتخاذ خطوة تاريخية نحو الائتلاف مع أحزاب مختلفة لتعزيز السياسات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، من أجل إخراج البلاد من المأزق، وإلا فإن الحكومة لن تحقق نجاحًا، وستواجه الميزانيات والمشاريع المختلفة تحديات كبيرة، مما سيوفر فرصة كبيرة لليمين المتطرف للاستفادة من السخط العام لصالحه، واستغلال الشعارات الشعبوية لتحقيق السلطة بالكامل في فرنسا.

كما يجب مراعاة أن اليمين المتطرف يمتلك عددًا لا بأس به من المقاعد في البرلمان، مما قد يكون كافيًا لمواجهة الحكومة وبرامجها، وحتى إذا تم تشكيل حكومة ائتلافية، فإن احتمالية نجاحها ستكون منخفضة جدًا. لذلك، يجب على اليسار، والليبراليين، والخضر، والشيوعيين في فرنسا الاستمرار في هذا التعاون التكتيكي الذي بدأوه لمواجهة اليمين المتطرف ومنعهم من النمو والانتصار.

على الرغم من أن هذا الأمر يبدو صعبًا وغير محتمل، إلا أن ماكرون لديه الفرصة لإثبات نفسه كقائد حقيقي، وكذلك لإنقاذ بلاده من سيطرة اليمين المتطرف، وهو ما سيجعله بلا شك قائدًا كبيرًا ومحترمًا في عيون الاتحاد الأوروبي. يجب مراقبة الموقف لنرى ما إذا كانت هذه فرنسا الغريبة والعجيبة ستقدم المزيد من المفاجآت للعالم أم لا!

امین مهدوي
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال