لا نبالغ إذا ما قلنا بأنّ المشاركة في الانتخابات النيابية اللبنانية، والنتائج التي أفضت إليها، جاءت لتسدل الستار مجدّداً على محاولة الانقلاب الأميركي، وتؤكد فشل وسقوط أهداف واشنطن في محاولة النيل من شعبية المقاومة وحلفائها.. فنسب المشاركة الجيدة في كلّ المناطق، مع الأخذ بالاعتبار تراجعها بعض الشيء في المناطق السنية بسبب مقاطعة تيار المستقبل، ونتائج الانتخابات تؤشر إلى أن لا تغيير جوهرياً في المعادلة النيابية واستطراداً السياسية، لا سيما أنّ فريق المقاومة وحلفاشها في البرلمان قد نال عدداً من المقاعد يقلّ قليلاً عن نصف مقاعد البرلمان، في حين انّ فريق 14 اذار لم يتمكن من نيل ثلث مقاعد البرلمان، لانّ المقاعد الأخرى حاز عليها مرشحو المجتمع المدني والمستقلون.. في المقابل نجحت المقاومة في الحفاظ على تمثيلها النيابي، وتعزيز حضورها في بيئتها الشعبية المباشرة، مما يوجّه صفعة قوية لأحدث خطط واشنطن التي استهدفت إضعاف المقاومة في بيئتها الشعبية وبيئة حلفائها…
على انّ هذه النتيجة المخيّبة لأميركا و»إسرائيل»، تنبّأ بها ديفيد شينكر المسؤول الأميركي السابق والمشرف على تنفيذ خطة الانقلاب الأميركي ضدّ المقاومة وحلفائها بواسطة الحصار المالي والاقتصادي وتسعير نار الأزمات الخدماتية والاجتماعية، حيث اعترف قبل 48 ساعة من بدء الانتخابات النيابية بأن لا أمل في التغيير، وانّ قادة المعارضة، الذين دعمهم، شخصانيون، نرجسيون يأكلون بعضهم بعضاً،
هذا الكلام لـ شينكر، الذي أطلق فيه النار على القوى والمجموعات التابعة لواشنطن، وفضح دورها الأميركي، إنما يعكس خيبة أمل أميركية من الرهان على منظمات الأنجيؤز في إحداث اختراق كبير يحقق تغييراً مهما في نتائج الانتخابات، والأهمّ إقرار شينكر بفشل اختراق بيئة المقاومة اعتماداً على بعض النخب المموّلة أميركياً…
غير انّ هذا الاعتراف الرسمي الأميركي يؤكد بأنّ المعارضين للمقاومة وحلفائها إنما هم مرتبطون بواشنطن يتلقون التمويل والتعليمات منها ما يسقط عنهم ايّ صفة استقلالية أو وطنية، ويؤكد تمترسهم في خندق معارضة المقاومة وسلاحها تحت زعم الحرص على السيادة والاستقلال…
لهذا فإنّ انتخابات 15 أيار جاءت لتؤكد فشل وهزيمة الرهان الأميركي على إحداث تغيير نوعي في المعادلة النيابية والسياسية.. التي وضع خطة الانقلاب عليها عام 2019 المسؤول في الخارجية الأميركية جيفري فليتمان، وذلك في تقرير قدّمه للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي.. وركز فيه على ضرورة إضعاف وإقصاء حلفاء المقاومة مسيحياً، وخصوصاً التيار الوطني الحر وتيار المرده…
وهذا يعني، فشل وهزيمة خطة وأهداف الحصار الأميركي الاقتصادي والمالي الذي فرض على لبنان على اثر قيام واشنطن بخفض تصنيف لبنان الائتماني وتهريب ودائع اللبنانيين إلى الخارج ومنع حلّ أزمة الكهرباء والتنقيب عن الغاز والنفط ومنع قبول العروض الصينية والإيرانية والروسية…
لم يقتصر الأمر على الاعتراف الأميركي المذكور آنفاً، بل انسحب كذلك على اعتراف المعلقين «الإسرائيليين» بالفشل في إضعاف حزب الله والإقرار بأنّ التدخل السعودي في الانتخابات جاء متأخراً، وانّ حزب الله نجح في وضع التنقيب عن الغاز على جدول الأعمال…
الاستهداف الأميركي والموالين له في الداخل، للتيار الوطني الحر وتيار المرده وكل مَن هو حليف للمقاومة في الشارع المسيحي، لم يحقق مبتغاه في إلغاء تمثيل هذا الاتجاه مسيحياً لمصلحة الاتجاه المعادي لخيار المقاومة الذي يمثله حزبا القوات والكتائب اللبنانية وبعض مجموعات الأنجيؤز… في حين أنّ البيئة المباشرة للمقاومة ازدادت التفافاً واحتضاناً لها مما يعني سقوطاً مدوياً للنسخة الأحدث من الخطط الأميركية التي استهدفت تأليب البيئة الشعبية ضدّ المقاومة ومحاولات تفكيك تماسك هذه البيئة في سياق خطة محاصرة وعزل المقاومة وصولاً لنزع سلاحها… لكن من دون جدوى، فنتائج الانتخابات تؤكد أنّ الفريق المعادي للمقاومة وحلفائها، وعلى رأسه حزب القوات يدّعي نجاحه في تحقيق الانقلاب في الانتخابات، مع انّ النتائج جاءت لتقول العكس بانّ المعادلة الإجمالية، على الصعيدين البرلماني والشعبي، تؤكد بأنّ فريق 14 آذار فشل في الحصول على الأغلبية النيابية والشعبية، رغم الدعم غير المسبوق الذي حظي به مالياً وسياسياً وإعلامياً، وانّ فريق المقاومة وحلفائها تمكن من الفوز بأكبر كتلة برلمانية (60 مقعدا، أقلّ بقليل من نصف عدد مقاعد البرلمان)، وان كان خسر الأغلبية التي كان يحوز عليها في البرلمان السابق، مع العلم بانّ العديد من النواب المستقلين وبعض المنتمين للمجتمع المدني يؤيدون المقاومة ضدّ الاحتلال، كما تمكن فريق المقاومة وحلفائها من حصد أعلى الأصوات شعبياً… ما يعني تكريساً للفشل الأميركي «الإسرائيلي» في عزل المقاومة ونزع الغطاء النيابي والشعبي عنها…
حسن حردان
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال