فضائح الجيش الأميركي الجنسية: 20500 حالة اعتداء كل عام 15

فضائح الجيش الأميركي الجنسية: 20500 حالة اعتداء كل عام

لا يكاد يمر أسبوع أو شهر، إلا وتبهرنا فيه السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا بنشاطها الذي لا يهدأ – والمفارقة أنه يفوق أحيانًا حركة بعض السياسيين اللبنانيين تجاه مواطنيهم- ويشمل مختلف الصعد السياسية والعسكرية والاجتماعية وحتى الصحية.

فتارة تقدم لنا نفسها واعظة بخطاب ما عن الديمقراطية، وطورًا تلبس ثوب المصلح والمرشد بحديثها مثلًا عن الحقوق الانسانية، ومرة أخرى ترفع لواء الدفاع عن حقوق المرأة، متبنية قضاياها بوجه كل اضطهاد تتعرض له. أما آخر ابداعاتها فهو اهتمامها بصحة اللبنانيين.

وبعيدًا عن النقاش حول عدم قانونية تصرفاتها وخروجها عن نصوص قواعد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، التي تشدد على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بهذا الشكل الفاضح، حبذا لو أن السفيرة شيا تستغل هذه الطاقة (التي يجب الاعتراف بحيويتها)، وتوظفها في الدفاع عن نساء جيشها، اللاتي يتعرضن للاغتصاب والتحرش من قبل زملائهن بنسب مرتفعة، وذلك عبر مؤازرتهن ودعمهن، أو أقله ترفع الصوت عاليًا بوجه قيادة بلادها لاجتثاث هذه الظاهرة المشينة، بدل أن توزع الاتهامات يمينًا وشمالًا في بلادنا، عند وقوع أي حادثة نسوية مهما صغرت، للنيل من جماعة أو بيئة.

حسنًا، وحتى نوفر على السفيرة شيا عناء الحصول على هكذا معلومات (رغم يقيننا أنها على اطلاع على تلك الارتكابات في جيشها)، وهي دائمة الانشغال بالزيارات والجولات المجهدة – كتوزيع الكمامات أو الحقائب المدرسية – التي أنستها واجباتها النسوية الحقوقية، سنتكفل بهذه المهمة، ونضع بين يدي السفيرة تقارير وزارة الحرب، وآراء الضباط، إضافة الى الأرقام الرسمية التي توثق هذه الاعتداءات.

يقوم مكتب “منع الاعتداء الجنسي والاستجابة له” في البنتاغون، أو ما يعرف بـ SAPRO، بتجميع تقارير سنوية للكونغرس من المفترض أن تشمل جميع حالات الاعتداء الجنسي المبلغ عنها، والتي تشمل أفراد الجيش الأمريكي.

بين عامي 2010 و2020، (صدر أحدث تقرير عن هذه الاعتداءات عام 2020)، أدرج البنتاغون 73 حالة فقط، من حالات الاعتداء الجنسي في منطقة “عمليات أفريكوم”. ومع ذلك، تُظهر الملفات أن المحققين الجنائيين العسكريين سجلوا ما لا يقل عن 158 ادعاءً بارتكاب جرائم جنسية في منطقة عمليات أفريكوم خلال نفس الفترة.

في الواقع فإن أفريكوم ليست فريدة من نوعها. فمشكلة سوء السلوك الجنسي في الجيش مزمنة وواسعة الانتشار، مع التوسع في المهام الخارجية التي تشكل مخاطر خاصة. وجدت إحدى الدراسات أن النساء اللواتي لديهن “تجارب شبيهة بالقتال” في أفغانستان والعراق، كانت لديهن احتمالات أكبر بكثير للإبلاغ عن التحرش أو الاعتداء الجنسي.

وحتى يكون كلامنا موثقا، سنتحدث بلغة الارقام.

يقدر البنتاغون أن ما يقرب من 20500 من أفراد الخدمة يتعرضون للاعتداء الجنسي كل عام، وفقًا لآخر مسح للبنتاغون. ولكن تم تقديم 6290 ادعاء رسميا فقط بالاعتداء الجنسي في عام 2020، بحسب أحدث تقرير لـ SAPRO. وهذا العام أي 2021، وجد مكتب المحاسبة الحكومية أيضًا أن البنتاغون قد أخفق في توثيق ما يصل إلى 97 بالمائة من مزاعم الاعتداء الجنسي على موظفيه المدنيين.

ما هو تعليق البنتاغون على هذه الارقام؟

تشير وزارة الحرب إلى أنها لاحظت أن الناجين من الاعتداء الجنسي غالبًا ما يترددون في التقدم للابلاغ عنها، لأسباب متنوعة، بما في ذلك الرغبة في المضي قدمًا والحفاظ على الخصوصية وتجنب الشعور بالخزي. ومع ذلك، يقول الجنود استنادا “لصحيفة ذا انترسبت” إنهم حتى عندما يتحدثون، فهم غالبًا ما يواجهون ثقافة عسكرية وهيكل قيادة لا يأخذ ادعاءاتهم على محمل الجد ونظام القضاء العسكري الذي لا يوفر سوى قدر ضئيل من المساءلة.

قال المتحدث باسم البنتاغون، الرائد سيزار سانتياغو، إن وزارة الحرب تجمع بيانات عن الاعتداء الجنسي لإبلاغ “السياسات، وتطوير البرامج، وإجراءات الرقابة” حول هذه القضية. وأضاف سانتياغو في رسالة بالبريد الإلكتروني لـ”ذا انترسبت” الأميركية: “كل عام، يجمع مكتب منع الاعتداء الجنسي والاستجابة له، البيانات المتعلقة بتقارير الاعتداء الجنسي، ويحلل النتائج، ويعرضها في التقرير السنوي للإدارة حول الاعتداء الجنسي في الجيش”.

علاوة على ذلك، تمثل معظم التقارير الـ 158 التي تم تحديدها في ملفات أفريكوم، حالات أراد فيها أحد أفراد القوات المسلحة، أو شخص اعتدي عليه منهم، السعي لتحقيق العدالة من خلال النظام العسكري. أما الحقيقة الصادمة، فهي أن العديد من هذه التقارير قد لا يتم تضمينه في السجلات الرسمية للبنتاغون، وهي بذلك تبرز كيف فشل الجيش في تتبع حالات الاعتداء الجنسي بشكل صحيح واتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة المشكلة.

أكثر من ذلك، لم تتم مقاضاة سوى نسبة صغيرة من القضايا – يستغرق المضي بها حوالي 0.9 بالمائة من الوقت وفقًا لإحصاءات عام 2020 – ونادرًا ما تؤدي إلى إدانات بجرائم جنسية.

وتعقيبًا على هذه النقطة، قال الكولونيل المتقاعد دون كريستنسن رئيس الادعاء السابق في سلاح الجو والذي يشغل الآن منصب رئيس Protect Our Defenders، وهي منظمة مكرسة لمكافحة الاعتداء الجنسي في الجيش: “لست متفاجئًا على الإطلاق. عملية تتبعهم معيبة للغاية. ترى بيانات غير مكتملة، حالات لم يتم تعقبها، تفتقد إلى المعلومات والتقارير التي يبدو أنها لا تضيف شيئًا”.

هل نجحت ادارة بايدن في معالجة هذه الفضائح؟

أتت النتائج التي توصلت إليها الصحيفة بالتعاون مع احدى المؤسسات المعنية بالتحقيقات، في وقت جعلت فيه إدارة بايدن مكافحة الاعتداء الجنسي في الجيش هدفًا رئيسيًا للسياسة كما تزعم. في شباط الماضي 2021، وكأول توجيه له في منصبه، أصدر وزير الحرب لويد أوستن مذكرة تدعو قيادات عليا في البنتاغون، وكبار الجنرالات إلى “محاربة الأعداء داخل الرتب والقضاء على آفة الاعتداء الجنسي”.

وتبعًا لذلك، ففي 2 تموز الفائت، أوصت لجنة المراجعة المستقلة للاعتداء الجنسي، التي أنشأها أوستن بتوجيه من الرئيس جو بايدن، بأخذ القضايا خارج التسلسل القيادي، وهو تغيير طالما قاومه القادة العسكريون. وشددت اللجنة على ضرورة أن يقرر قاض مستقل ما إذا كان يجب توجيه الاتهام إلى مرتكب اعتداء جنسي مزعوم، وما إذا كان ينبغي أن تؤدي هذه التهمة إلى محاكمة عسكرية، ويقدم تقاريره إلى مكتب مدني لمدعي الضحية الخاص.

لكن، بالمقابل، يعتبر النقاد أن النظام مليء بتضارب المصالح. إذ ان هذه الاجراءات والتدابير والقرارات، لم تمنع من التستر على المجرمين، حيث غالبًا ما يشك كبار الضباط في الجيش من الذكور – الذين يفتقرون عمومًا إلى التدريب القانوني الرسمي – في الناجيات، ويقفون إلى جانب المتهمين، وقد يضغطون على الناجيات لعدم توجيه اتهامات رسمية، وهو ما يفسر وجود عدد ضئيل من الإدانات العسكرية في جرائم الجنس والتي تم توجيهها الى جنود وضباط خلال السنوات التي خلت.

أبرز الاجراءات العقابية بحق المذنبين:

في محاولة للحد من هذه الظواهر التي أضرت بالجيش الأميركي، جرى اتخاذ عدد من الاجراءات العقابية بهدف ردع الاعتداءات الجنسية. وفي هذا السياق تم التحقيق مع أول رئيس للقيادة الجنرال ويليام كيب وارد، لإنفاقه مئات الآلاف من الدولارات على السفر الباهظ، وتم تخفيض رتبته في عام 2012 بعد أن وجد المفتش العام في البنتاغون أنه تورط في “أشكال متعددة من سوء السلوك”، بما في ذلك سوء استخدام من منصبه وهدر الأموال الحكومية.

وفي عام 2013، تمت إقالة اللواء رالف بيكر، قائد قوة مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي من وظيفته، بتهمة سوء السلوك الجنسي. ووفقًا لملف تحقيق جنائي تم الحصول عليه من خلال قانون حرية المعلومات، فإن بيكر قد “تحرش بإحدى كبيرات مستشاري السياسة في أفريكوم، وحاول ممارسة حركات لا اخلاقيه معها، ونتيجة لذلك، خفضت رتبته إلى عميد، ثم سُمح لبيكر بالتقاعد بهدوء”.

ليس هذا فحسب، فقد تمت إقالة اللواء جوزيف هارينجتون، قائد الجيش الأمريكي في إفريقيا، وتجريده من نجمة بعد أن تبادل عددًا كبيرًا من رسائل فيسبوك مع زوجة جندي مجند.

أكثر من ذلك، تم فصل المقدم دينيس باكيت قائد قاعدة سرية أمريكية للطائرات من دون طيار في تونس، من الخدمة العسكرية بعد أن أقام علاقة مع طيار وعرقل التحقيق الذي نتج عن ذلك. الجدير بالذكر أن القوات المتمركزة في قاعدة الطائرات من دون طيار الخاصة بالتي كان يخدم فيها باكتيت، اكتسبت سمعة كثرة تناول المشروبات الكحولية والحفلات الصاخبة.

في المحصلة، كان للفشل في القيادة العسكرية في أفريقيا عواقب وخيمة. بعد مقتل أربعة جنود أمريكيين في كمين نصب عام 2017 في النيجر، رد تحقيق أجراه البنتاغون السبب إلى “الافتقار العام للوعي بالحالة، وإشراف القيادة على كل المستويات”.

وأمام هذه المعطيات، قد لا يبدو غريبا على الجيش الاميركي، أن نجد إضافة الى سجله الملطخ بالجرائم، هذه النسب المرتفعة من الاعتداءات الجنسية، فمن تهُن عليه حياة البشر، وما أكثر الذين قتلهم عناصره دون ذنب، لن يتورع بالتالي عن التحول الى ذئب يفترس اخوته وابناء عشيرته وجلدته. 

المصدر: العهد

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال