في العقود الأخيرة بينما كانت بعض دول منطقة غرب آسيا يتوجب عليها أن تعمل كداعم لدول محور المقاومة ضد نظام الاحتلال الإسرائيلي، اتبعت نهجًا انفعاليًا بل حتى مسانداً لهذا النظام ومن أبرز هذه الدول ذات السياسات المتناقضة تركيا و رئيسها رجب طيب أردوغان. وعلى الرغم من أن أردوغان يرفع شعارات إسلامية وضد الصهيونية، إلا أنه في الواقع قد وسع علاقاته الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل.
على الرغم من أن تركيا كانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف رسميًا بإسرائيل في عام 1949، إلا أن العلاقات بينهما ظلت تشهد تباينات كثيرة. وعلى مدى السنوات الأخيرة سعى أردوغان دائمًا إلى تقديم حكومته كمدافعة عن حقوق الفلسطينيين لذلك أصبحت خطاباته مثيرة للغاية، حيث وصف إسرائيل بأنها دولة إرهابية وشبّه قادتها بالديكتاتوريين التاريخيين بينما ظلت تصرفات حكومته مغايرة نسبيًا لخطاباته مما يكشف عن الفجوة بين المقولات النارية والسياسة الحقيقية لأردوغان.
إحدى أبرز الأمثلة على الفجوة بين القول والفعل تتمثل في التجارة بين تركيا وإسرائيل. على الرغم من الادعاءات بأن تركيا قد أوقفت تجارتها مع إسرائيل احتجاجًا على أفعالها في غزة، فإن الحقائق تشير إلى أن التجارة بين الطرفين لا تزال قائمة. على سبيل المثال إن خط أنابيب النفط باكو-تفليس-جايهان، الذي ينقل النفط من أذربيجان إلى إسرائيل عبر تركيا يُؤمّن حوالي 40٪ من الاستهلاك السنوي للنفط الخام في إسرائيل. كان بإمكان تركيا قطع هذا الخط مما كان سيزيد بشكل كبير من تكاليف الوقود والطاقة على إسرائيل لكن هذا العمل لم يحدث.
من جهة أخرى تشير التقارير إلى أن تركيا لم توقف تجارتها المباشرة فحسب بل واصلت أنشطتها التجارية مع إسرائيل من خلال التهرب من القيود القانونية. حتى أنه في الوقت الحالي يتم تحميل السفن التركية في الموانئ الفلسطينية بدلاً من الموانئ الإسرائيلية مثل أشدود حيث يتم نقل البضائع إلى المشترين الإسرائيليين عبر وسطاء فلسطينيين. وقد أثار هذا الأمر احتجاجات في الشوارع في تركيا واستجوب إحدى سياسات الحكومة المزعومة لأردوغان في معارضته الحرب الإسرائيلية في غزة.
إلا أن فضيحة تركيا وأردوغان لا تنتهي عند هذه النقاط حيث مؤخرًا استهدفت جماعة أنصار الله في اليمن سفينة شحن تركية تُدعى "أنادولواس" في البحر الأحمر وذلك في الوقت الذي كانت الحكومة التركية تدعي فيه قطع جميع العلاقات التجارية مع نظام الاحتلال الإسرائيلي. وقد قدم الهجوم على السفينة التركية التي كانت متجهة إلى الأراضي المحتلة دليلًا واضحًا على استمرار التجارة بين تركيا ونظام الاحتلال وهو ما كان ينفيه المسؤولون الأتراك مما جعل استراتيجية الحكومة التركية المنافقة تتضح بشكل أكبر أمام الشعب التركي والمسلمين في جميع أنحاء العالم.
خلاصة القول
على مدى 75 عامًا من العلاقات بين تركيا ونظام الاحتلال الإسرائيلي شهدت تلك العلاقات خلال تاريخها الكثير من مراحل القوة والضعف وكانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بإسرائيل رسميًا في عام 1949 وقد شهدت العلاقات بينهما توسعًا تدريجيًا. ومع ذلك فقد أدانت الحكومة التركية العديد من الأعمال العسكرية الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة على غزة وطالبت باتخاذ إجراءات دولية أقوى ضد إسرائيل لصالح الفلسطينيين. وقد لاقت تصريحات أردوغان صدىً واسعًا في العالم الإسلامي وسعت تركيا إلى تقديم نفسها كمدافع قوي عن حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ولكن كان هناك أيضًا شاهد على الأفعال الريعية لرئيس تركيا على الرغم من إعلان أردوغان تعليق العلاقات العسكرية والتجارية مع إسرائيل، إلا أن التجارة بين الطرفين استمرت. وقد قدمت العملية الأخيرة لأنصار الله في اليمن التي استهدفت السفينة التركية المتجهة إلى فلسطين المحتلة دليلاً واضحًا لاستمرار التجارة بين تركيا ونظام الاحتلال، مما أدى إلى فضح النهج المنافق للحكومة التركية أمام المواطنين المسلمين في العالم إن هذا الأمر سيترك تأثيرًا كبيرًا على مكانة تركيا وحكومة أردوغان في العالم الإسلامي وفي قلوب الشعب التركي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال