تسبب الفيتو المستمر من قبل المجر على حزمة المساعدات الدفاعية المقترحة من الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا في خلق تحدٍ كبير لوحدة أوروبا، وأظهرت الفجوات العميقة داخل هذه الكتلة. هذه الخطوة التي كان قد تحدث عنها السيد أوربان سابقًا تشير إلى تغيير في الاتجاهات ضمن الهياكل الإقليمية والعالمية والتي يمكن أن يكون لها آثار واسعة النطاق على دول العالم وخاصة على أوكرانيا.
يمثل قرار المجر باستخدام الفيتو على ميزانية الدفاع للاتحاد الأوروبي مزيجًا معقدًا من الاعتبارات الداخلية والجيوسياسية. على الصعيد الداخلي تتبع الحكومة المجرية بقيادة فيكتور أوربان سياسة تركز على السيادة الوطنية مفضلًة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الداخلية على الالتزامات العابرة للحدود. يجادل العديد من المراقبين بأن الفيتو المجري يعود جزئيًا إلى المخاوف من الأعباء المالية الإضافية التي تفرضها التكاليف الدفاعية عبر الاتحاد الأوروبي.
تبدي المجر ذات الاقتصاد المحدود نسبيًا قلقها من أن المساعدات الإضافية للدفاع عن أوكرانيا قد تضغط على ميزانيتها الوطنية وتحرف مسار الميزانية عن أولويات مهمة داخلية مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. كما تعزز هذه الحزمة المالية من موقف أيديولوجي أوسع: فقد قدمت المجر نفسها كدولة تدعم المصالح الوطنية للدول وتعبر عن معارضتها للتيار الأوروبي.(1)
من الناحية الجيوسياسية يمكن تفسير الفيتو المجري كخطوة للحفاظ على علاقات أكثر توازنًا بين التحالفات مع الدول الغربية وعلاقاتها التاريخية مع روسيا. على الرغم من كون المجر عضوًا ملتزمًا في الناتو والاتحاد الأوروبي، إلا أن حكومتها كثيرًا ما اتخذت مواقف يمكن اعتبارها مؤيدة لروسيا في سعيها للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية وتأثيرها السياسي مع موسكو. من خلال معارضتها لزيادة ميزانية الدفاع للاتحاد الأوروبي والتي تم تخصيصها بشكل خاص لأوكرانيا قد تسعى المجر إلى منع تزايد الدعم لأوكرانيا مما قد يثير ردود فعل أشد من روسيا. في هذا السياق تمثل خطوة المجر رسالة لكل من جبهتها الداخلية وإشارة للمجتمع الدولي بأن حكومتها تفضل مصالحها الاستراتيجية على مصالح شركاء الاتحاد الأوروبي.(2)
حتى في حال الموافقة على ميزانية الدفاع المقترحة من قبل الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا فإنها ستعكس فقط جزءًا صغيرًا مما تحتاجه أوكرانيا لأنشطة الدفاع وإعادة الإعمار على المدى الطويل. يجب أن تكتمل الحزمة المقترحة من قبل الاتحاد الأوروبي بدعم كبير من باقي الشركاء الدوليين بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى. وتزداد تعقيد هذه الوضعية مع عدم اليقين بشأن استمرار دعم الولايات المتحدة خاصةً في ظل الديناميات السياسية الداخلية في واشنطن وتزايد التوترات بين ترامب وزيلنسكي. إن الفجوة بين الاحتياجات الفعلية لأوكرانيا والدعم الدولي المتاح تخلق وضعًا غير مستقر، حيث تضطر الدول الأضعف في الاتحاد الأوروبي إلى تجاوز قدراتها الاقتصادية في تأمين الموارد المالية. وهذا الأمر يشكل تحديًا خاصًا لدول مثل بلغاريا ورومانيا ودول البلطيق التي تواجه قيودًا اقتصادية معينة. بينما هي جغرافيًا أقرب إلى منطقة النزاع وبالتالي ينبغي عليها أن تسهم أكثر في تأمين الموارد المالية.
في الواقع إن الأعباء المالية الناتجة عن دعم أوكرانيا تسهم في خلق عدم مساواة اقتصادية أوسع داخل الاتحاد الأوروبي مما قد يؤجج الفجوات القائمة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. تواجه دول مثل اليونان والبرتغال وعدد من دول أوروبا الشرقية حاليًا مستويات عالية من الديون والتضخم ومتطلبات الرعاية الاجتماعية الداخلية. إن الضغط الإضافي للمساهمة في صندوق الدفاع لأوكرانيا يضع ميزانياتها الوطنية تحت الضغط وقد يؤدي إلى تقليص الإنفاق على الأولويات الداخلية مما قد يعزز من الاضطرابات الاجتماعية والمشاعر المعادية لأوروبا.
تكون هذه الوضعية حادة بشكل خاص في الدول التي لا تزال تتعافى من الأزمات الاقتصادية السابقة أو تعاني من معدلات بطالة مرتفعة. يمكن أن تؤدي توزيع المسؤوليات المالية بشكل غير متساوٍ إلى زيادة الاستياء بين الدول الأعضاء مما قد يتحدى وحدة الاتحاد الأوروبي في وقت يعتبر فيه الاتحاد بالغ الأهمية.(3)
وفي النهاية يجب القول إن أوروبا الآن جنبًا إلى جنب مع التحديات الأخرى تواجه أيضًا مسألة كيفية دعم أوكرانيا ويجب أن تجد حلًا لذلك دون الاعتماد الكامل على دعم الولايات المتحدة وهو أمر يعتبر مهمًا بالنسبة للأوروبيين. كما أن خطوة المجر تعكس بوضوح الفجوات العميقة في القيادة الأوروبية مما يمكن أن يجعل دعم أوكرانيا أكثر تعقيدًا وربما يتعين على أوكرانيا أن تقبل مرة أخرى كضحية لكل ما تقرره موسكو وواشنطن لكي تظل دولة حاضرة في الساحة العالمية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال