21 عاما مرت على انطلاق شرارة الانتفاضة الثانية من باحات المسجد الأقصى المبارك، ويأبى المقدسيون، ممن شهدوا أحداث 27 و28 سبتمبر/أيلول عام 2000، محو تفاصيلها من ذاكرتهم. بل حرصوا على أرشفتها، وسرد مشاهدها المؤلمة بين الحين والآخر.
بعد أسابيع قليلة، على فشل قمة كامب ديفيد، التي أشرف عليها بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي السابق، في محاولة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ قرر أرئيل شارون، زعيم المعارضة الإسرائيلية، آنذاك، اقتحام المسجد الأقصى، وهو الحدث الذي فجر الأوضاع، ولا تزال تداعياته تؤثر في مجريات الأحداث.
وفي حينه، رفض شارون، الاستماع للتحذيرات الفلسطينية، وأصر على اقتحام احد أقدس اماكن المسلمين يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000.
مئات الجنود وعناصر الشرطة انتشروا في المسجد الأقصى، لتأمين الاقتحام الحاصل على ضوء أخضر من قبل الحكومة؛ لكنّ مشاعر المصلين لم تحتمل المشهد، فاستخدموا كل إمكانياتهم لإفشال الاقتحام، وانهالوا بالأحذية على رؤوس المقتحمين عند باب المصلى القِبلي من المسجد، وأُصيب في ذلك اليوم العشرات من الفلسطينيين وجنود الاحتلال.
في اليوم التالي، اشتدت المواجهات داخل المسجد الأقصى، فاستشهد خمسة مصلين، وأُصيب عشرات آخرون بجراح، وفق توثيق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
وفي اليوم الثالث، انتقلت المواجهات إلى الضفة الغربية، فاستشهد ستة فلسطينيين في عدة محافظات. جاء اليوم الرابع من المواجهات، ليصب الزيت على نار الغضب الفلسطيني، إذ وثق صحفي عملية إعدام جنود الاحتلال للطفل محمد الدرة (11 عاما) في شارع صلاح الدين بغزة.
من البداية استخدمت سلطات الاحتلال دباباتها في مواجهة المتظاهرين الفلسطينيين، وانتشرت بكثافة صورة الطفل الفلسطيني الشهيد فارس عودة، يحمل حجرا مقابل دبابة إسرائيلية، قبل أن ترديه قتيلا.
وبينما اقتصر سلاح الفلسطينيين على التظاهرات وإلقاء الحجارة وإشعال إطارات السيارات في نقاط الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، ردّ الجيش بالرصاص الحي والقذائف.
زاد الاحتلال من وتيرة عنفه ضد الشعب الفلسطيني بشكل لافت، بعد مقتل جندي إسرائيلي على أيدي متظاهرين فلسطينيين بمدينة رام الله، يوم 12 أكتوبر/تشرين أول، فأدخل طائرات الأباتشي المروحية، وقصف مقرات للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وخلال أسبوعين من المواجهة، استشهد نحو مئة فلسطيني، ولم تُجدِ نفعا محاولات احتواء الوضع المتفجر، بما في ذلك اتفاق على وقف إطلاق النار في 17 أكتوبر/تشرين أول من نفس العام.
أخذت المواجهات منحى أشد خطورة، بسلوك إسرائيل نهج الاغتيالات من الجو، حين استهدفت بالطائرات يوم 9 نوفمبر/تشرين ثاني من نفس العام سيارة مدنية في مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة، وقتلت الفلسطيني حسين عبيات، ليفتح باب الاغتيالات على مصراعيه، ويطال قيادات سياسية وعسكرية فلسطينية.
وفي أغسطس/آب 2001 اغتالت إسرائيل، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني “أبو علي مصطفى”؛ وفي أكتوبر من نفس العام، انتقمت الجبهة باغتيال وزير السياحة في الحكومة الإسرائيلية آنذاك (رحبعام زئيفي).
وكان من أبرز ضحايا نهج الاغتيالات لاحقا، غالبية قادة الصف الأول من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، وذلك في 22 مارس/آذار2004.
من جانبهم، بدأ الفلسطينيون في إطلاق النار على المستوطنات والنقاط العسكرية الإسرائيلية، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وشارك في ذلك عناصر أمنية من السلطة الفلسطينية.
لم تكن طائرات الأباتشي، القوة القصوى التي تستخدمها إسرائيل في محاولة لردع انتفاضة شعبية كانت هي سببها، بل استخدمت طائرات الـ ف16 في قصف منازل فلسطينية ومقرات رسمية.
بعد نحو ثمانية شهور على اندلاع الانتفاضة، وتحديدا في مايو/أيار، بدأت الفصائل الفلسطينية تنفيذ عمليات تفجير داخل المدن الإسرائيلية ردا على عمليات القصف والاغتيالات الإسرائيلية، مستهدفة أماكن التجمع مثل الأسواق والحافلات والمقاهي.
مع استمرار المواجهة واشتدادها، انقلبت إسرائيل بدءا من 29 مارس/آذار 2002 على الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، واجتاحت كل المدن والقرى الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في عملية أطلقت عليها “السور الواقي”.
وصنفت اتفاقية أوسلو (1995) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية، و “ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و “ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
فضلا عن عمليات القتل والتدمير، شهدت الاجتياحات حدثين بارزين هما: محاصرة مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمدينة رام الله، وكنيسة المهد بمدينة بيت لحم.
وفي 11 تشرين ثاني/نوفمبر 2004، توفي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في مستشفى عسكري في ضواحي باريس، إثر تدهور سريع في صحته.
وفي ذات العام بدأت إسرائيل في إقامة الجدار العازل بطول نحو 728 كيلومترا، ليلتهم نحو 23% من أراضي الضفة الغربية ويضمها إلى إسرائيل.
وبينما انسحب الاحتلال من قطاع غزة تحت ضربات الفصائل الفلسطينية، التي طورت قدراتها، عام 2005، فإنه يواصل مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات وتحويل مدن وقرى الضفة الغربية إلى معازل على كل منها بوابة حديدية وقفلا، يغلقها ويفتحها متى شاء.
وتوقفت انتفاضة الأقصى في الثامن من فبراير/شباط 2005 بعد اتفاق هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة “شرم الشيخ”، إلا أن مراقبين يرون أن الانتفاضة الثانية لم تنته لعدم توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أي حل سياسي ولاستمرار المواجهات بمدن الضفة.
وبعد مرور 21 عاما على انطلاقتها، لم تعلن أي جهة نهاية انتفاضة الأقصى، اذ وقعت الكثير من الهبات والمواجهات والمعارك.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد استشهد 3712 فلسطينيا وأصيب عشرات الآلاف منذ مطلع عام 2000 وحتى نهاية 2004، في حين بلغ مجموع شهداء فلسطين 10577 منذ بداية عام 2000 حتى نهاية 2018.
وبين 28 سبتمبر/أيلول 2000 وأبريل/نيسان 2017 قدرت مؤسسات رسمية وحقوقية تسجيل نحو 100 ألف حالة اعتقال، بينها نحو 15 ألف قاصر.
وأما خسائر الاحتلال الإسرائيلي تعدادها 334 قتيلاً ومن المستوطنين 735 قتيلاً وليصبح مجموع القتلى والجرحى “الإسرائيليين” 1069 قتيل و4500 جريح وعطب 50 دبابة من نوع ميركافا ودمر عدد من الجيبات العسكرية والمدرعات “الإسرائيلية”.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه منظمة التحرير، بقيادة حركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، بالمفاوضات خيارا لإقامة الدولة الفلسطينية، فإن حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، طورتا أدوات المواجهة، وصولا إلى امتلاك صواريخ تصل العمق الإسرائيلي، استخدمت في مواجهات عسكرية كان آخرها في مايو/أيار الماضي.
وبعد سنوات على توقفها، استؤنفت في 2008 المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، قبل أن تعود وتتجمد مجددا عام 2014 وحتى اليوم، بسبب إصرار إسرائيل على البناء الاستيطاني وعدم الإفراج عن دفعة رابعة متفق عليها من قدامى الأسرى.
وبعد 21 عاماً ترى المقاومة الفلسطينية أن ما حققته المقاومة الباسلة من انتصارات عظيمة، والتي كان آخرها انتصارها في معركة سيف القدس، يتطلّب الإسراع في اعتماد استراتيجية عمل وطني، ترتكز على خيار الوحدة والمقاومة، في أدواتها وأشكالها كافةً، وفي مقدمتها المقاومة المسلَّحة، والتحلُّل نهائياً من اتفاقية أوسلو المشؤومة، وإنهاء التنسيق الأمني.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال