في الحقيقة نحن في رحاب الأيام المباركة (عشرة الفجر) التي شهدت عودة الإمام الخميني (رض) المظفرة، والتي توجت بالانتصار الإلهي للثورة الإسلامية في إيران، وترجمت بسقوط نظام الشاه العميل، الاستبدادي، الطاغي الظالم.
وإذا أردنا أن نتحدث عن أهمية ما تحقق، فنحن نعتقد أنه كان عظيماً وغير مسبوق، ونعتقد أنه يندرج تحت إطار الوفاء للمبادئ، وليس الوعود.
الثورة الإسلامية في إيران، التي انتصرت، والتي يتم إحياء ذكراها الثالثة والأربعين هذه الأيام، إنما هي ثورة مبادئ، وطنية شعبية عقائدية، يتجدد كل عام عهد الوفاء لها، بالتمسك والثبات، وبالارادة والصلابة، حيث كانت وما زالت أصيلة لصيقة بالشعب الحي الذي وقف خلف قيادته الحكيمة التي تجسدت بالامام الخميني الراحل (رض)، وتستمر مع الإمام الخامنئي.
الثورة الإسلامية التي لم يعرف عنها إطلاق الوعود، بل تنفيذها، وتحقيقها على جميع المستويات الوطنية، الإجتماعية، والسياسية، ربما من المنصف أن نسجل العودة إلى المربعات الأولى لها، فشعارها كان “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية”، وبالفعل فقد أسست لدولة ونظام إسلامي جمهوري متقدم لا مثيل له، في ممارسة الديمقراطية، وفي بناء الدولة، والاقتصاد الوطني المسؤول والقوي، وفي حفظ السيادة، والتحرر من التبعية، وفي نصرة فلسطين والقدس والاقصى، وفي مقارعة قوى الاحتلال والهيمنة، وفي لي ذراع الاستكبار العالمي.
نعم، لقد تحقق الكثير، وبانتصار الثورة الإسلامية في إيران تحقق للشعب الإيراني، وللعالم ما لم يتوقعه الكثيرون، على كل الصعد والمستويات، وليس أدل على ذلك، إلا ما نحن فيه من تطورات حصلت وتمهد لحصول ما هو أهم، فاخراج أميركا من المنطقة ومن غرب آسيا والشرق الأوسط لم يعد مجرد شعار، بل هو مسار، سينتهي بالتحقق.
أما التحديات الماثلة امام الثورة اليوم، فالراهن منها قد لا يوازي ما نجحت في تخطيه، ليس تقليلا من خطورته وأهميته وانما لأن تخطي الثورة الإسلامية في إيران التحديات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية بنجاح باهر قهر أعداءها في المنطقة وخارجها، في أميركا والغرب، يؤهلها للتغلب على جميع التحديات الماثلة والمتوقعة، خصوصاً أن طهران اليوم تعرف أين تقف، وإلى أين تذهب، وقد صارت قوة إقليمية ودولية، ولاعبا أساسيا في السياسة والاقتصاد، وما العلاقات التي تربطها مع العالم الخارجي، والاتفاقيات الثنائية مع قوى دولية مهمة ومؤثرة، إلا الدليل على موقعيتها الهامة، الاتفاق الاستراتيجي مع الصين انموذجا، والتحضيرات الجارية لاتفاق مماثل ربما مع روسيا، المثال الآخر في الأهمية.
قد يقال إن”الملف النووي الإيراني” يطرح أحد أهم التحديات الماثلة، وقد يقال إن الصراعات على تخوم إيران، في أفغانستان والعراق واذربيجان .. الخ، تطرح العديد من التحديات، وقد يقال إن التنمية المستدامة في البلاد تطرح تحديات كبيرة أخرى، وهكذا لتتعدد التحديات الماثلة أمام الثورة الإسلامية في إيران.
نعم، هذا صحيح، وربما دقيق أيضاً، لكن من قال أن صناعة المجد والانتصارات، تتحقق بسهولة، ومن قال أن الانتصار للحق والعدل والمساواة وللقضايا العادلة والمبادئ النبيلة، لم تكن يوماً تتحقق بلا تضحيات؟.
إن إيران اليوم بما تمثل من خط ثوري أصيل، تواجه تحديات كبيرة، لكنها بما أسست وبنت وشيدت في كل المجالات العلمية والتقنية الحديثة، في الصناعة العسكرية، في الصناعات الثقيلة، في الطب والهندسة الوراثية والنباتية والمعمارية، في النانو تكنولوجي، وفي جميع المجالات، إنما يمثل قاعدة واساسا، لجبهة التحديات، ولمواصلة مسارات النجاح التي بها تخطو خطوات مهمة إلى الأمام ونحو العلا.
الحديث بسمات الثورة الإسلامية في إيران، قد لا تتسع له المساحة المتاحة هنا، ذلك أنه سينقلنا للحديث بالعمق الذي بدوره يحتاج لمساحات زمنية أطول، ولصفحات كثيرة يتصدى لها أصحاب الاختصاص في أربع جهات الأرض.
أهم السمات المميزة، والخصائص الفريدة، التي تميز الثورة الإسلامية في إيران، ربما تتجسد في ما قدمته من انموذج فريد في الحكم وممارسة الديمقراطية، الذي أنتج انتصارات وتقدما مشهودا، لا ينكره إلا جاحد حاقد منفصل عن الواقع، وفي هذا السياق فإن النتائج والارقام تتحدث وتحدث بما نقول، إذ يكفي النظر بالمراتب التي تتبوأها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجالات الحياة والعمل والإنتاج، أين كانت قبل انتصار الثورة؟ وأين هي اليوم؟ إيران تحتل المراكز والمراتب الأولى في كثير من المجالات التي كانت مقفلة عليها.
نعتقد أن ثورة في التاريخ الحديث والمعاصر، لم يكتب لها أن تكون أو تتميز بعشر ما حققته وتميزت به الثورة الإسلامية الإيرانية، وفي وقت قياسي.
كل ما تقدم قد يبين زاوية من زوايا العداء الغربي للثورة الإسلامية، على أن المسألة تقف خلفها أسباب كثيرة أهمها، طرد أميركا، هنا قد يكون جيمي كارتر أهم من شعر بالقهر، وأكثر من تذوق طعم المرارة، ومن هذه الأسباب رفع علم فلسطين والقدس في طهران وإغلاق السفارة الصهيونية، ولن نتحدث عن المقاومة وثقافتها التي تتجذر … فلهذا حديث آخر، نعشقه ويفتح شهيتنا على حكاية لا نهاية لها ..
بقلم: علي نصر الله
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال