يسعى العدو إلى الفصل بين الساحات وعدم الربط بينها، حتى لا يتكرر مشهد معركة سيف القدس.
شهد شهر مارس/ آذار المنصرم رقماً قياسياً في عدد العمليات الفدائية التي نفّذها عناصر المقاومة الفلسطينية، وبلغ عددها 10 عمليات، أسفرت عن مقتل 11 مستوطناً وجندياً إسرائيلياً وإصابة العشرات، وشهدت ساحتا الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتلتين، تنفيذ أبرز تلك العمليات، التي تنوّعت ما بين عمليات إطلاق نار وطعن ودهس.
تسبّبت العمليات الفدائية في حالة من الذعر والخوف في أوساط العدو، ودعا رئيس وزرائه نفتالي بينيت الإسرائيليين إلى حمل السلاح في الشوارع .
وزادت نسبة طلبات التسلح الشخصي ثلاثة أضعاف، ما يعكس فقدان الشعور بالأمن الشخصي وضعف الثقة بمؤسّستي الجيش والشرطة للعدو.
عزّزت العمليات الفدائية الفلسطينية مخاوف المستويين السياسي والعسكري للعدو، من زيادة حدّة المقاومة الفلسطينية في شهر رمضان المبارك، وتشعر قيادة العدو بحالة انعدام اليقين تجاه ما ستؤول إليه الأحداث في شهر رمضان.
اتخذ العدو عدداً من الخطوات، في مسعى منه للحدّ من احتمالات تفجّر الحالة الميدانية في شهر رمضان، أبرزها، على المستوى السياسي، من خلال اللقاءات بين قيادة العدو وقادة دول التطبيع في المنطقة، وهي الخطوة التي أدّت إلى استصدار بيانات إدانة واستنكار للعمليات الفلسطينية، لكنها أدّت إلى نتيجة عكسية على غير رغبة العدو، فشجّعت تلك اللقاءات، ولا سيّما لقاء النقب، على تنفيذ عمليات عسكرية في الداخل الفلسطيني المحتل، في صفعة مباشرة ومزدوجة للعدو ودول التطبيع معاً.
تدرك “إسرائيل” أن المشاعر الإسلامية تجاه القدس والمسجد الأقصى، وكثافة توجّه المسلمين للعبادة في ساحة المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، وما يصاحبها من طقوس وعادات وتقاليد، تؤدّي إلى مزيد من الاحتكاك والحماسة والدافعية لمواجهة العدو. وما يزيد عوامل التفجير تزامن أعياد يهودية مع الشهر الفضيل، واعتزام المستوطنين تنفيذ عمليات اقتحام للمسجد الأقصى. ولتجنّب تلك المواجهة، قام العدو بتنفيذ إجراءات عدوانية وأخرى تهدف إلى احتواء الحالة.
في القدس، نفّذ العدو المئات من حالات الاعتقال والاستدعاء للمقدسيين، ومن جهة أخرى، سمح للمقدسيين بالتجمّع والحركة في ساحة باب العمود، وامتنع عن إقامة حواجز عسكرية حديدية فيها، وهي الساحة التي تشهد، في العادة، حراكاً اجتماعياً وثقافياً وسياسياً خلال شهر رمضان، وقد أدّى إغلاقها العام الماضي إلى تفجير مواجهات مع العدو، كما يعتزم العدو إرجاء إخلاء عائلة سالم المقدسية في حيّ الشيخ جرّاح إلى ما بعد شهر رمضان.
في الضفة الغربية، نشر العدو ثماني كتائب عسكرية إضافية في مناطق الضفة، واعتقل المئات من أعضاء القوى الفلسطينية ومناصري المقاومة، كما أطلق عملية سمّاها “كاسر الأمواج”، في أعقاب موجة العمليات الفدائية، ونفّذت قواته عمليات اغتيال استهدفت عدداً من المقاومين، وأدّت إلى اشتباكات مسلّحة أسفرت عن إصابات في صفوف جيش العدو، وفي المقابل اتّخذ عدّة خطوات اقتصادية، منها زيادة عدد تصاريح العمل، ومنح السلطة الفلسطينية في الضفة بعض التسهيلات.
وفي قطاع غزة، أكثر ما يخشاه العدو أن تتدحرج المواجهات المندلعة، أو التي يتوقع اندلاعها بشكل أكبر خلال الأيام المقبلة، إلى مواجهة عسكرية مع المقاومة في قطاع غزة، على غرار ما حدث في أيار/ مايو 2021.
صدرت عدة تهديدات من قادة المقاومة في غزة، وأعلنت قواتها الاستنفار استعداداً لتطور الأحداث، وأطلقت عدداً من الصواريخ التجريبية، في رسالة تهديد للاحتلال، وأكدت مصادر لي أن قيادة المقاومة أرسلت عبر الوسطاء رسائل تهديد وتحذير إلى الاحتلال، من مغبّة تكرار استفزازاته وجرائمه في القدس والمسجد الأقصى، وأنها جاهزة للرد في حال كرّر ما فعله العام المنصرم.
وفي مسعًى إلى احتواء الموقف في غزة، قرّر الاحتلال الاستجابة لعدد من المطالب التي رفضها سابقاً، ومنها زيادة تصاريح العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، والسماح بمزيد من التصدير والاستيراد، وغيرهما من الخطوات.
يسعى العدو إلى الفصل بين الساحات وعدم الربط بينها، حتى لا يتكرر مشهد معركة سيف القدس، التي نجحت فيها المقاومة الفلسطينية في تحريك الكل الفلسطيني خلف قضية القدس والمسجد الأقصى، لذا لم يوجّه العدو اتهامات مباشرة إلى المقاومة في غزة بمسؤوليتها عن العمليات الفدائية الأخيرة، بل ودعا رئيس وزراء العدو نفتالي بينيت إلى عدم الربط بين العمليات وقطاع غزة.
تتّجه الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال شهر رمضان المبارك، نحو عدد من السيناريوهات؛ الأول، سيناريو الاحتواء، وفيه يتمكن العدو من امتصاص الغضب الفلسطيني، وتفكيك عوامل التفجير، من خلال خطواته الاستباقية، كالاعتقالات والاغتيالات ونشر مزيد من القوات، بالتوازي مع إجراءات التخفيف والاحتواء، وهو سيناريو ضعيف، ومن غير المرجّح نجاح العدو في احتواء الموقف.
السيناريو الثاني، فشل العدو في إجهاض عمليات المقاومة في ساحات الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل، واشتعال مواجهات في القدس والمسجد الأقصى في أعقاب تنفيذ عمليات اقتحام جماعية لباحات المسجد الأقصى، تؤدّي إلى ارتقاء شهداء ووقوع إصابات، وقيام المستوطنين باعتداءات إجرامية على المواطنين الفلسطينيين في الداخل، تعقبها ردود فلسطينية تسفر عن خسائر من الجانبين الفلسطيني واليهودي، ثم تتطور الأحداث إلى معركة عسكرية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وقد تتدحرج المعركة لتشمل الجبهة الشمالية، وتتطور إلى حرب متعددة الجبهات، وحدوث هذا السيناريو يعتمد على مستوى الاستفزازات والجرائم الصهيونية في القدس والمسجد الأقصى، وحجم الشهداء، وإذا ما نفّذ العدو ومستوطنوه مجازر يصعب أن تقف أمامها المقاومة في غزة، وربما خارجها، مكتوفة الأيدي.
وفي حال كان مستوى المواجهة في القدس والمسجد الأقصى محدوداً ولم يسفر عن ارتقاء عدد كبير من الشهداء، فإن السيناريو الثالث والأكثر ترجيحاً، هو اندلاع مواجهات وتنفيذ عمليات فدائية، وقيام العدو والمستوطنين بتنفيذ عمليات اغتيال واعتداءات مختلفة، من دون أن تؤدّي إلى اندلاع مواجهة عسكرية شاملة.
بغض النظر عن مستوى المواجهات بين العدو والشعب الفلسطيني في الساحات الفلسطينية المختلفة، فإن شهر رمضان الفضيل سيكون شهر الصيام والمقاومة والقتال في فلسطين.
وسام أبو شمالة
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال