تنهضُ الإمبراطوريات ثم تسقط، ولا شيء يدوم إلى الأبد، ويمكن أن يكون السقوط الإمبراطوري خطيراً للغاية. وعلى النقيض من الاتحاد السوفييتي السابق، الذي تفكّك منذ أكثر من 30 عاماً، لا يوجد لدى الولايات المتحدة زعيم كاريزمي لديه إحساس بالواقع، ورؤية لعالم أفضل منزوع السلاح.
هناك العديد من النظريات التاريخية التي تشير إلى الوقت الذي تتدهور فيه الإمبراطوريات، وتتحلّل ثم تنهار لتصبح في أفضل الحالات دولاً عادية وليست حتمية. على سبيل المثال، يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي هناك ستة عوامل أساسية تؤدي إلى انهيار الحضارات بما في ذلك الإمبراطوريات:
أولاً: النزعة العسكرية، وهي النظر إلى جميع المشكلات كمعضلة يجب حلّها عن طريق التهديدات والأسلحة وأنواع مختلفة من الحروب ضد الآخرين، وتتشبث بالجيش بينما تخسر في مقاييس القوة الأخرى مثل الاقتصاد والثقافة والسياسة والتفكير المستقبلي.
ثانياً: ينتهي التمدّد المفرط للسلطة بسبب الحماس التبشيري بسوء الإدارة والقرارات غير المدروسة.
ثالثاً: تزايد التفاوت في الثروة وعدم القدرة على سدّها.
رابعاً: الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية ونقص الغذاء.
خامساً: الغطرسة وسراب الخلود يؤديان إلى سقوط الحضارات.
سادساً: الصدام بين العقل والقلب، أو بين العقل والعواطف، أو العلم والدين، أو كما يتضح اليوم الصدام بين الواقع الناشئ عن الإعلام والواقع الفعلي.
ويمكن أن يضيف المرء إلى هذه العوامل عوامل أخرى مثل الافتقار إلى الشرعية في نظر الحضارات أو المجتمعات الأخرى، والافتقار إلى القدرة الإصلاحية، والرؤية طويلة المدى للصالح العام، وتراجع القدرة على الإبداع والابتكار. وكذلك الإسقاطات النفسية- السياسية لمشكلات المرء للآخرين مصحوبة بجنون العظمة والغطرسة، وانتصار الإفراط في استغلال المجتمعات الأخرى، وإشعال الحروب في جميع أنحاء العالم.
لقد تدهورت السياسة الخارجية للولايات المتحدة اليوم إلى حيّز تنفيذ التهديدات، والعقوبات، والحروب، والإقصاء، والتحالفات، وإبراز القوة، والشيطنة. فما نراه في توسّع الناتو، وفي أكثر من 40 عاماً من الحرب الاقتصادية ضد إيران، وفي 20 عاماً من الحرب العالمية على الإرهاب، وفي التسليح المكثف الحالي لأوكرانيا من أجل إضعاف روسيا عسكرياً، والعقوبات التي لا تنتهي ضد روسيا، وشيطنتها لإضعافها كمجتمع، كلها مؤشرات على تراجع” الإمبراطورية الأمريكية”.
إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للاستماع، فينبغي على أصدقائها وحلفائها، على وجه الخصوص، مساعدتها على قبول حقيقة تدهورها الحتمي، لكن للأسف أثبت الاتحاد الأوروبي أنه غير قادر على أن يكون الغرب الديناميكي الجديد.
ربما يكون هذا أملاً في حدوث معجزات، لكن أقل ما يمكن أن تفعله البلدان هو الانخراط في حوار بهدف بناء عالم أفضل قبل أن تزداد المخاطر بانفجار أو تذمر أضعافاً مضاعفة.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال