بعد أشهر على الجريمة الإسرائيلية بحق الصحفية الفلسطينية – الأمريكية شيرين أبو عاقلة، طالبت قطر بمحاسبة الاحتلال الصهيونيّ على قتلها خلال تغطيتها عملية إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، في وقت تسعى فيه تل ابيب للتنصل من جريمة إعدام الصحفيّة الشهيرة، بالاستناد لدعم الإدارة الأميركية الرافضة لدعوات لإجراء تحقيق مستقل خاص بتلك القضية باعتبارها واضحة كعين الشمس، وقد اتُهمت أمريكا بمحاولة إخفاء نتائج تحقيقها في مقتل أبو عاقلة، وتعرضت لانتقاد بسبب تصريحات بدا وكأنها تنقذ “إسرائيل” من مسؤوليتها على تلك الجريمة، حيث يتهم الفلسطينيون واشنطن بمحاولة تبرئة جيش الاحتلال، ما يفضح المواقف المتواطئة لبعض الدول مع الاحتلال وجرائمه، على الرغم من أن الصحفيّة أُعدمت بنيران جنديّ إسرائيليّ من مسافة حوالي 180 متراً وفقاً لتحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قبل بضعة أشهر.
بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، والذي عقد في فيينا مؤخراً، ألقت مساعد وزير الخارجية القطري، لولوة الخاطر، خلال كلمتها الضوء على قضية إعدام الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في مايو آيار الماضي، والتي كانت تعمل مراسلة في قناة الجزيرة القطريّة في جنين بالضفة الغربيّة المحتلة أثناء تغطيتها اقتحام العصابات الصهيونيّة لجنين، والتي دفعت العالم بأسره للتنديد بالتصرفات الوحشيّة التي قامت بها قوات العدو الإسرائيليّ، وقد وجدت الدوحة هذا المناسبة فرصة على مايبدو للدعوة لمحاسبة الكيان الصهيونيّ على جريمته الشنيعة بحق الصحفيّة المعروفة والتي عملت مع مجموعة كبيرة من وكالات الأنباء العربية والدولية لتغطية الأحداث الكبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووثقت لسنوات طويلة اعتداءات قوات الاحتلال وجرائمهم.
وفي الوقت الذي أعربت فيه قطر على لسان الخاطر، عن قلقها إزاء “استمرار الإفلات من العقاب على الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد الصحفيين”، تؤكّد الوقائع إضافة إلى تقارير دوليّة كثيرة ومن جهات مهمة أن جنديًا تابعاً لقوات العدو الإسرائيليّ أطلق الرصاص عمداً على أبو عاقلة، وهذا كان واضحاً بشكل كبير من مقاطع الفيديو التي انتشرت عقب مقتل الصحفية، حيث أجمع العالم على شناعة الجريمة التي ارتكبتها العصابات الصهيونيّة بحق الصحفيّة الشهيرة، وحملوا القوات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الجريمة بحق أبو عاقلة التي قضت خلال قيامها بواجبها الصحفي لتوثيق الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال، وقد أظهرت تلك القضية بالفعل حقيقة إرهاب الاحتلال ووحشيته، ناهيك عن كشفها مدى استهتار تل أبيب بالإنسانيّة وبالرأي العام العالميّ وبالقيم والأعراف الدولية.
“قتل الصحفية أبو عاقلة يسلط الضوء على حقيقة أن أساليب الحماية والوقاية لا تكون فعالة إلا عندما تقترن بآليات المقاضاة”، عبارة شدّدت عليها المسؤولة القطريّة، بالتزامن مع وجود يقين تام بمسؤولية تل أبيب عن تلك الجريمة، وتأكيد تقارير دوليّة بينت عقب فحص أكثر من 60 مقطع فيديو ومنشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي وصورًا لجريمة الاغتيال، وبعد إجراء فحصين ميدانيين للمنطقة، وأجرت تحليلات صوتية مستقلة لأصوات إطلاق النار، أنّ التحليل الصوتي لإطلاق النار الذي أدى إلى مقتل الصحفية المعروفة يشير إلى أن شخصاً أطلق عليها الرصاص من مسافة تقريبيّة تكاد تطابق المسافة بين الصحفيين ودورية قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت في المكان، كما أن تحليل الصور المتوافرة ولقطات الفيديو وبيانات شهود العيان، تؤكد بما لاشك فيه أن جندياً إسرائيليّاً هو من أطلق رصاصة الإعدام الميداني.
وبالتالي، فإن “إسرائيل” وعصاباتها الصهيونيّة هم المسؤولون عن إطلاق النار وقتل أبو عاقلة، رغم محاولة جيش العدو تبرئة نفسه من دم أبو عاقلة من خلال قوله إن جنديا من جنوده ربما أطلق الرصاص، لكن رصاصة الجريمة جاءت من “مسلح فلسطيني”، ولم تظهر تل أبيب أية أدلة عن وجود مسلح، ولا تدعم أشرطة الفيديو مزاعم الاحتلال عن مواجهات مسلحة في الدقائق التي سبقت العملية الإجرامية، فيما تظهر كل الأدلة والروايات وشهود العيان في تحقيقات كثيرة أنه لم يكن هناك إطلاق النار وقت القتل أبداً، والدليل آخر هو ما ذكرته الخاطر، حول أن “أبو عاقلة واحدة من أكثر من 45 صحفيّاً قضوا على أيدي قوات الاحتلال الصهيونيّ منذ عام 2000.
وعلى هذا الأساس، اتهم مسؤولون فلسطينيون وعائلة أبو عاقلة وقناة الجزيرة التي كانت تعمل بها، الاحتلال باستهدافها وقتلها عمدا، على الرغم من أنّها كانت ترتدي خوذة وسترة واقية مكتوب عليها كلمة “صحافة” عندما أصيبت برصاص قناص إسرائيليّ، في الوقت الذي تسرح فيه “إسرائيل” وتمرح على التراب الفلسطينيّ وترتكب أبشع الجنايات بحق هذا الشعب وغيره في المنطقة، استناداً لدعم واشنطن التي تغض الطرف عن كل التحقيقات والأصوات والأدلة التي تدين “إسرائيل” وتحاول كتم صوت القضية العالميّة لصالح ملفات أخرى على ما يبدو، في ظل البراهين والأدلة الكثيرة التي تدين تل أبيب وجنودها القتلة وتحمليل الكثير من الدول والمنظمات الدوليّة المسؤوليّة لـ “إسرائيل” وعصاباتها الصهيونيّة في قضية إطلاق النار العمد وقتل أبو عاقلة التي كانت ترتدي زيّ الصحافة ودرعه.
في النهاية، وكما أشارت قطر من الضروريّ أن نشاهد تطبيقاً واقعيّاً لعمل المنظمات الدوليّة، وخاصة أنّ “إسرائيل” الدمويّة تحاول التستر على جناياتها من خلال وسائل الإعلام العالميّة التي يدير اليهود الكثير منها، في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة والمُثبتة للصهاينة بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، والتي توصف بأنها “جرائم ضد الإنسانيّة”، وإن التحقيقات الصحفيّة الدوليّة حول جريمة إعدام أبو عاقلة هي شهادة دولية قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة بمساندة من بعض العواصم ذات التاريخ الدموي ضد هذا الشعب الذي يطرد من أرضه بشتى الوسائل وبمختلف الأساليب والأسلحة دون تحريك أيّ ساكن رغم شعارات حقوق الإنسان والحرية والديمقراطيّة، وذلك لدعم الإسرائيليين في محاولاتهم المستميتة للهيمنة على فلسطين وشعبها بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح اليهود الصهاينة.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال